الأمن أساس الحياة ، فلا حياة بدون أمن واستقرار، ولا استتباب للأمن دون مساهمة المجتمع وتفاعله، وعندما ينحصر مفهوم الأمن الشامل في الفساد الأخلاقي ، ومطاردة الناس في المتنزهات والحدائق ، وفرض الآداب والأخلاق بصورة حديدية وبمعاملة خشنة وعنيفة من قبل أشخاص لا يعرفون شيئا عن الأمن والاستقرار والإسلام ، إلا تفسيق الناس واتهامهم والتجسس عليهم واعتقالهم والتضييق على المجتمع وعسكرته . افجعنا الربيع العربي بتربع الإسلاميين على السلطة ومحاكمتهم للمجتمع وتجريمه، وعسكرة المجتمع وإطلاق عنان المليشيات والجماعات السلفية والاخوانية لتعبث بالمجتمع وتمارس شوفونيتها السادية ضد أبنائه ، ولكن تحت مسمى القانون والشرعية، فقد انتفض المجتمع ومثقفوه والمنظمات الحقوقية والإنسانية على طوال امتداد العالم العربي والإسلامي ، ودقوا ناقوس الخطر ضد المادة الحادية عشرة في مسودة الدستور المصري التي تنص على أن : “ ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام ، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية والحقائق العلمية والثقافة العربية والتراث التاريخي والحضاري للشعب، وذلك وفقا لما ينظمه القانون “. تشرع هذه المادة الدستورية تدخل الدولة في شؤون المواطنين كلها تحت حجة رعاية الأخلاق والآداب والنظام العام والقيم الدينية والوطنية ، فمن حق الدولة والمليشيات والجماعات الإسلامية أن تحافظ على القيم الدينية وتفرض الأخلاق وتحارب الرذيلة محمية من المحاسبة والمساءلة بدستورية القانون . فلا تتعجب بعد اليوم أن توقفك جماعة دينية أو مليشية اخوانية وتعترض على لباسك ، وتحلق شعرك أو تضربك لتحسين مشيتك وهيئتك ، فضلا عن التمييز بين الجنسين في المدارس والشوارع والجامععات والمواصلات العامة .
نعيش هذه الأيام في بشائر عسكرة المجتمع وإطلاق المليشيات السلفية لتجوب الشواطئ والمتنزهات لترهب المواطنين وترعبهم في الشوارع والمتنزهات والفنادق حتى البيوت الآمنة يتم انتهاك حرمتها . هؤلاء الأشخاص والجماعات التي تقوم بعمل الأمن ومؤسساته تفتقد للقدرة العلمية والتأهيل والكفاءة ، وتجهل القوانين واللوائح المتبعة ، وتتبع وسائل وآليات بدائية لفرض تصورهم للأمن . فالمداهمات غير القانونية والتعذيب وتلفيق التهم وتشويه السمعة والوصم بالرذيلة جارية على قدم وساق لتحقيق مكاسب إعلامية وشخصية بالدوس وانتهاك حقوق الإنسان والقوانين واللوائح الوطنية والدولية التي وقعت عليها اليمن ، والتزمت بتنفيذها .
تضخ جمعيات ومؤسسات سيلا من الأموال لمحاربة القات والمخدرات وفرض الآداب والأخلاق معللة بأن المحافظة وأبناءها تحاك ضدهم المؤامرة لإفسادهم بالمخدرات والقات وإفساد أخلاق الشباب . هذه الأموال المهدورة لا تصرف لتحسين الأمن والاستقرار في المحافظة ومحاربة الجريمة والقتل والخطف وانتهاك القانون وإزالة المظاهر المخالفة للقانون ، والسؤال الخطير لماذا تنفق هذه الأموال من قبل الجمعيات لعسكرة المجتمع والسيطرة على الأمن ومؤسساته في ظل غياب الدولة وترهل وضعف مؤسساتها الأمنية والعسكرية ؟ ، وهل يجوز أن تقبل المؤسسات الأمنية هذه الأموال ، ويسمح لهذه المؤسسات الدينية بتسيير الأمن ورسم سياساته من قبل جمعيات ومؤسسات دينية لها ارتباطاتها الفكرية والسياسية والمذهبية بجماعات وجمعيات وتنظيمات إقليمية ودولية ، وتعمل على استقطاب وتوجيه الشباب والمجتمع ومؤسساته الأمنية والمدنية لأهداف مشبوهة لخدمة أغراض ومشاريع حزبية وسياسية واخوانية ! .
المجتمع بكل شرائحه واتجاهاته الاجتماعية والقبلية مطالب بالحفاظ على أمنهم واستقرارهم إذا تخلفت الدولة عن فرض سلطة القانون وتوفير الأمن والاستقرار وإشاعة السلم الاجتماعي ، ولن يقبل مجتمع حضرموت الحي والحر بحكم المليشيات وعسكرة المجتمع ، ونرفض ان نجر إلى معسكرات التعذيب والتأهيل والتقويم بأي غطاء كان دينيا أو سياسيا أو مذهبيا ولن نرضى بغير سيادة الدولة ومؤسساتها الوطنية والاحتكام للشرعية الدستورية والقانونية ؟! .
عسكرة المجتمع «الأمن بــمـفــهـــوم أخـلاقــي»
أخبار متعلقة