تقودني قدماي كل صباح لبائع الصحف الذي يسابق طلوع الشمس باسطاً أمامه مختلف العناوين البارزة الملتهبة على صدر المطبوعات اليومية ، حيث أختار احدها أو بعضها بعجالة من أمري قبل صعودي لحافلة العمل أتشوق لمطالعة أكبر قدر ممكن من محتوياتها أثناء تلك الرحلة الصباحية اليومية الطويلة ..
وفي أحد الأيام القليلة الماضية ، شدني حوار خاطف بين بائع الصحف و أحد أوائل زبائن الصباح الباكر حين أقتنى احدى الصحف ، وأخذ يناشده البائع مازحاً : أشترِ - ولو لمرة واحدة - صحيفة أخرى إلى جانب صحيفتك هذه ياأخي!!
حينها أقحمَ نفسه أحد الواقفين الذين يقرأون عناوين الصحف الملقاة أمام ناظريهم دون الحاجة لشرائها إما لعدم قناعتهم بالشراء أو لبخلهم الشديد وكأن قيمة الصحيفة ستستقطع من قيمة الوريقات الخضراء التي يحتسونها بعد فترة ما بعد دوام عملهم وبشكل يومي ، أقحمَ نفسه ذلك الطيب مناشداً زبون الصباح الباكر بتكرار سؤال البائع له وحثَّه على شراء صحيفة أخرى إلى جانب ما أبتاعه ..
حينها اشتد غيض صاحبنا هذا ملتفتاً للحشري الذي تطفل عليه قائلاً :
- ماذا تريدني أن أبتاع من صحف أخرى أفضل من صحيفتي هذه ؟ أوتظن أنني سأشتري احدى صحف الفسق والفجور كصحيفة 14 أكتوبر مثلاً؟
- ولماذا أسميتها كذلك ياأخي ؟
أجابه وهو ينصرف مبتعداً :
- أولستَ أنت على معرفة بمحرريها ومن يكتب فيها وتاريخهم المعروف بالفسق والفجور منذ نشأتها وحتى اليوم ؟
وكأن لسان حاله يقول : وكيف لي أن أقرأ غير الصحف التي تدعو للتوحيد والإيمان ومخافة الواحد الأحد القهار ؟!
حينها كانت إجابته اللاذعة هذه قد أوقدتْ مكامن الغيظ في تفكيري ، وارتفع ضغط هدوئي الصباحي وأوشكت أن أخرج عن إطاري وأفقد سيطرتي على كلماتي التي بدأتْ تتسابقُ مهرولة للقفزِ نحوه لولا أنني تمكنتُ من إلجامها وابتلاعها حتى لا أبدو أقل تهذيباً مما عرفه عني زملائي المتسابقون في الصعود للحافلة نتبادلُ الابتسامات والتحايا الصباحية مستبشرين بيوم جديد مشرق بأمل لا حدود له..
وعلى مدى تلك الرحلة الطويلة وعيناي تلتهمان عناوين تلك الصحيفة التي أمامي وتطويان سطورها و أعمدتها المتراصة على صفحتها أمامي ، كانت تتراقص في خاطري الردود المختلفة لذلك المتحدث الطيب بكلماته النابية الساخرة حتى أنني لم أستطع مواصلة القراءة .. وقررتُ أن لا يهدأ لي بال حتى أفرغ ما يجول بخاطري على الورق ..
وكيف لا يرتفع ضغط حنقي من تلك الكلمات التي تفجر عصبة من شرايين الفكر وهي تصفع طبلة أذنيك بتلك الألفاظ !!
ومن أين استقى هذا القارئ الذكي معلوماته القيمة تلك عن هذه الصحيفة القيمة ومحرريها وتاريخها العريق منذ أكثر من أربعين عاماً مرت خلالها بمختلف المراحل السياسية والحياتية لهذا الشعب الذي خاض وعاصر كل مراحل النضال والمعاناة منذ الاستقلال الوطني وحتى اليوم . ورغم أنه - وفي الفترة الأخيرة هذه - قد انتهجت هذه الصحيفة الحيادية والموضوعية وحرية الرأي والرأي الآخر رغم أنها صحيفة حكومية يتوجب عليها التقيد بخطوط واتجاهات الجانب الحكومي والرسمي فقط .
ويا لغرابة ما سمعت فعلاً !! لاسيما وأن تلك العبارات تنطلق من فم أحد أبناء هذه المحافظة عدن التي عايشت كل الأحداث العظيمة والتي لا يخلو تاريخ الوطن بالكامل من اسمها المندرج في كل سطور الأفراح والمعاناة على حد سواء .. ولا اجد إجابة على ذلك سوى ذلك التلقين المركَّز للنهج المعادي - لدرجة الاستماتة - للقيم الانسانية الراقية ولكل ما هو جميل يخدم كل البسطاء ويتحدث عن تفاؤلهم ونظرتهم المستقبلية نحو السلام والأمن والاستقرار بعيداً عن التعصب الحزبي أو القبلي ونبذ العنف والإرهاب كأسلوب ووسيلة لوأد الحريات وتعزيز الشقاق وروح الكراهية والحقد لكل من ينتهج النقد لمثل هذه الأفكار المتحجرة التي لم تعد تنطلي على أحد مهما تغلفت بالفضيلة وارتدتْ عباءة الناسك المتباكي على قيم وأخلاقيات العصور البائدة ، في حين يتوجب علينا مواكبة هذا العالم الحضري المفتوح على مصراعيه مع ضرورة تمسكنا - وبكل ما أوتينا من قوة - بقيم وأخلاقيات ديننا الحنيف الذي يعتـبـر دستورنا العظيم ، ولا يخلو من الحث على كل القيم العليا وطلب العلم كوسيلة حتمية لارتقاء الإنسان لفهم هذا الدين العظيم الذي استمات من اجله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم ..
وأتمنى أن لا تكون سطوري هذا دفاعاً عن هذه الصحيفة بقدر ما هي دعوة للآخرين من ذوي الرأي المعاكس للتريث في الابتذال لرمي مثل هذه الاتهامات والأطروحات الساذجة للغير في حين وجب علينا ومن كل أطياف الفكر والمذاهب السياسية العمل معاً للخروج من هذه الأزمات التي تتوالى على كاهل أيامنا والتي يصنعها أعداؤنا حتى لا تقوم لنا قائمة بعد اليوم !!
[email protected]
يقولها: لا .. ولن أقرأ صحيفة (14 أكتوبر) لهذا السبب
أخبار متعلقة