لا يختلف اثنان في اليمن بأن معظم الوزارات والمصالح والهيئات والمؤسسات سواء كانت عسكرية أو مدنية أو قضائية إن لم يكن جميعها - إلا من رحم ربي - تصنف بأنها فاسدة وتحتاج كل واحدة منها إلى هيئة مكافحة الفساد !!كونها تبّتز وتنهب وتعرقل وتهمش المواطنين ، وذلك عكس الغايات التي أسست وأنشئت من أجلها ألا وهي خدمة المواطن والشعب.
فعندما تدخل أحد تلك الجهات ، وأنت مكره لا بطل فإنك ترى العجب .. حيث يقوم أحدهم بطلب ( حق المعاملة ) والآخر يريد ( حق الكتابة ) وآخر يريد ( حق السجل ) وآخر يريد ( حق الختم ) وآخر يريد ( حق التوقيع ) ....الخ
فمعظم المواطنين يتفق أن فساد تلك الجهات يمس الجميع ولا نفرق بين أحد في ذلك ، وكل بحسب ما يمكن أن يُستغل فيه هناك ومقدار ما يصيبه فساد تلك الجهات التي من المفترض أن تكون (( خدمية )) .. فهناك من يستغل المواطن الفقير وكذا المواطن الميسور والمواطن الغني كل بحسب مقدرته في الدفع ولحاجته ..
بل حتى المسئولين أنفسهم قد يمسهم ذلك الفساد والاستغلال .. فعلى سبيل المثال أعرف من المسئولين من يدفع (( حق تمشية المعاملة حق)) ليمرر له شيك أو بعض مستحقاته وقد يكون (( حق المعاملة )) نسبة مقطوعة من مستحقات ذلك المسئول وهذا نراه جلياً في بعض المؤسسات المالية الخدمية .. وحتى وإن لم يدفع المسئول الآن وخلال فترة توليهم المناصب فإنهم سيضطرون لدفعها فيما بعد - بعد أن يفوتهم القطار -.
إجمالاً .. يمكننا تشخيص وتصنيف حالة الفساد التي نعايشها ونعاني منها بصورة يومية وموسمية أو حتى آنية ( متى اقتضت الحاجة ) فأصنفها بـ ((مشكلة المشاكل)) ، وبأنها هي مشكلة مركبة من مجموعة مشاكل أهمها يتمثل في نقص الوازع الديني والأخلاقي و الإنساني ، وانتشار الفقر ، وإنعدام حس الانتماء الوطني ، والأهم من كل ما سبق هو انتشار ثقافة استغلال الوظيفة العامة.
وأرى أن إهمال الدولة والحكومة لأسباب مشكلة فساد تلك الجهات الخدمية، وعدم البحث عن أسبابها والعمل لوضع وتنفيذ إستراتيجيات وخطوات جرئيه وحاسمة وعاجلة عن طريق حلول علمية وعملية ستجعل من مشكلة الفساد تظل مشكلة المشاكل كونها تنقص من هيبة الدولة وتساعد في نشر ثقافة الفساد بين البسطاء كالسرطان الذي ينتشر في المجتمع مع انتشار وارتفاع معدلات الجريمة فيه ، وبالتالي نسف معايير النزاهة والولاء الوطني والأخلاق العامة والوازع الديني والإنساني وكل ذلك بدوره يؤدي إلى الفوضى وعدم استقرار وخراب الدولة الحديثة والنظام والقانون والعمل المؤسسي .
وعلى ما سبق .. أرى أهم الحلول التي يجب على الدولة والحكومة تبنيها وبصورة عاجلة عن طريق :
- برامج وخطط وإستراتيجيات - قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى - بهدف تقويم أداء العاملين والموظفين في الجهات الخدمية المختلفة عن طريق دورات في التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية و تنمية الولاء الوطني وفن التواصل والتعامل ،
- إيجاد إجراءات رقابية صارمة ورادعة ولو أدى إلى وضع ( كاميرات مراقبة).
- رفع المرتبات والحوافز المادية والمعنوية ، وإيجاد مكافآت مقابل العمل والنزاهة والاجتهاد والالتزام للعاملين والموظفين في تلك الجهات .
- تحفيز الجانب الديني والأخلاقي في الموظفين والعاملين لتلك الجهات عن طريق محاضرات من وقت لآخر لرجال دين يفقهونهم في الحلال والحرام فيما يخص عملهم .
- تحسين أجواء العمل وخلق أنظمة آلية ونظام تواصل آلي ولو عن طريق مكاتب البريد في إرسال المعاملات وأوليات ونواقص المعاملات مع الرسوم اللازمة وبهذا نحد من الالتقاء المادي بين طرفي المعاملة إلا عند اقتضاء الضرورة وعندها نعمل على وضع وسائل رقابية ذات فاعلية .
•إعادة هيكلة تلك الجهات بالصورة التي تسهل تقديم الخدمة والرقابة وتحسين جودة تلك الخدمات وآليتها.
كما أني أرى من أهم اختصاصات حكومة الوفاق والحكومات التالية لها هو العمل على حل أهم أسباب انتشار الفساد المالي والإداري في قطاعات واسعة للدولة والتي تمسّ المواطن البسيط .. والتي عن طريقها يحسن ويطور الأداء الإداري والرقابي والمؤسسي ، وبهذا نكون قد ضربنا أكثر من عصفور بحجر واحدة .. منها القضاء على الفساد وبصورة واسعة ، وتحسين نوعية الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة وتطوير أنظمة الرقابة عليها، الإهتمام بالمواطن ومشاكله والعمل على تقويمه بصورة غير مباشرة ، تطوير أداء الحكومة والحكومات التالية ، و نشر ثقافة الإصلاح المالي والإداري مع ممارسته ذلك الإصلاح وليس عن طريق الشعارات الرنانة وحسب .. الخ ، والعديد من الإيجابيات الهامهة والضرورية للموطن ولليمن أجمع .
وفق الله الجميع لما فيه مصلحة اليمن والمواطن .
عن فساد الجهات الخدمية ..!
أخبار متعلقة