أراقب بشغف المناقشات الدائرة على المسرح السياسى المصري بعد انتهاء الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية؛ بفوز الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي. وأعترف أننى شعرت بأن هناك لبسا وخلطا فى المفاهيم، وحتى استفزازا! وكل ذلك دفعنى إلى أن أشارك فى الحوار السياسى؛ كمواطنة مصرية، وكعضو فى هيئة تدريس جامعة القاهرة، متخصصة فى النظم السياسية.
إننا فعلا نمر بمرحلة من تاريخنا المعاصر؛ فاصلة ومصيرية، لا تحتمل صراع المصالح وغياب الرؤى، وإنما تحتم الوحدة الوطنية وتغليب المصلحة القومية على المصالح الخاصة.
وأبدأ فى تحليلى منذ البداية؛ وهى الوفاق العام على قواعد العملية الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير، والتى طال تنفيذها حتى تصفى قضية النظام البائد من خلال القضاء العادى، وإن كنت أفضل تشكيل محكمة ثورة لهذا الغرض، على غرار ما حدث بعد ثورة 23 يوليو، والتى استمرت فقط 4 أشهر؛ خاصة وأن تردي الوضع الاقتصادى كان يقتضى اختصار الوقت؛ لنتطلع إلى المستقبل على وجه السرعة.
لقد كان التسلسل المنطقى والعملى فى مسيرة ما بعد الثورة؛ أن نبدأ بتشكيل لجنة تأسيسية من فقهاء القانون الدستورى ومختلف التيارات السياسية؛ لوضع الدستور قبل انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة؛ فوثيقة الدستور والقوانين المكملة له من المفروص أن تكون هى المرجع الأساسى فى كل هذه العملية السياسية.
ومن ناحية أخرى، فإن غياب التنظيمات السياسية القوية التى كان من الممكن أن تحل محل الحزب الوطنى، الذى وصل أعضاؤه إلى أكثر من خمسة ملايين، سمح للتنظيم الوحيد الذى كان يجند الأعضاء فى سرية تامة، وينفق الأموال الباهظة فى تقديم الخدمات للفقراء؛ آملا فى مساندتهم له - أعنى الإخوان المسلمين - سمح لهم أن يصبحوا الأقوى على الساحة السياسية، والمتصدرين للعمل السياسى!
أما وقد وصلنا إلى المرحلة الثانية من الانتخابات، فقد لاحظت تصريحات وتصرفات لا علاقة لها بالديمقراطية، ولا حتى بالعمل السياسى المبنى على المبادئ وتقديم مصلحة الوطن على كل شئ، وأبرزها ما يلى:
أولا: الدعوة إلى إبطال الأصوات فى الانتخابات، وهذه بدعة مبنية على عدم تقدير لقواعد العملية الديمقراطية والنظم الانتخابية؛ فإن الأصوات الباطلة لن تحسب على الإطلاق، وفى النهاية حتما سيفوز أحد مرشحى الرئاسة؛ إذن هى عملية انفعالية لن تجدى شيئا!
ثانيا: تجمع الخاسرين فى المرحلة الأولى، وتفاخرهم بمجموع الأصوات التى حصلوا عليها جميعا، كما لو كانوا امتلكوا أصحابها، ونسوا أن كل ذلك لا يعني شيئا فى قاموس الديمقراطية، ألم يكن من الأجدى أن يتحدوا قبل الانتخابات؟!
والآن أنتقل إلى الحديث عن مرشح الدولة المدنية؛ الفريق أحمد شفيق، لماذا الطعن فيه بهذا الشكل؟!
ثالثا: حدة الهجوم عليه؛ لأنه كان رئيس وزراء فى أواخر عهد الرئيس مبارك لمدة 34 يوما فقط. وهنا أتساءل. هل كل من عمل فى الدولة مع الرئيس مبارك يتنحى عن الخدمة الوطنية؟!
الجيش كله كان الرئيس مبارك قائده الأعلى على مدى ثلاثين عاما، والجهاز التنفيذى كله كان يرأسه الرئيس مبارك، والسلطة التشريعية كانت الأغلبية فيها من حزب الرئيس مبارك، وكل أجهزة الإعلام الرسمية كانت تؤيد وتساند مبارك فى كل سياساته؛ التى انتقدوها بعد الثورة! جهة واحدة فقط ظلت مستقلة؛ وهى القضاء.
رابعا: الطعن فى الفريق أحمد شفيق؛ لأنه كان رئيس وزراء مصر عندما حدثت موقعة الجمل؛ باعتباره مسئولا عنها. وهنا ينبغى أن نكون واقعيين؛ فقد كان مركز صنع القرار السياسى فى هذه الأمور بعيدا عن مجلس الوزراء، وبالأدق كانت السلطة فى تلك الأيام فى يد وزير شئون رئاسة الجمهورية، ووزير الداخلية، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس مجلس الشعب، وقادة الحزب الوطنى، ولجنة السياسات، وقد شهد على ذلك الدكتور كمال الجنزورى عندما تحدث عن منصب رئيس الوزراء فى عهد الرئيس مبارك. نحن أمام مرحلة جديدة، بمناخ سياسى جديد، بأهداف واضحة، وأدوات سياسية محددة، ولقد وضع القدر الفريق أحمد شفيق فى هذه المسئولية الكبرى، والشعب له طلبات.
الشعب يريد الاستقرار والانضباط بعد عام ونصف من التمرد، ويريد عودة السياحة، ألا يستطيع الفريق أحمد شفيق تحقيق ذلك؟ بلى. وكان ذلك من أولوياته فى حملته الانتخابية.
والشعب يريد انتعاش الاقتصاد، ألا يستطيع الفريق أحمد شفيق بعقليته الإدارية الناجحة أن يجمع حوله خبراء الاقتصاد المصريين، بل والعالميين لتحقيق ذلك؟ بلى. هو قادر.
والشعب يريد تحقيق الأمان، أليس الفريق أحمد شفيق قادرا على ذلك؟ بلى. وهو صاحب المرجعية العسكرية التى تقدر معنى الضبط والربط.
وقد يسأل البعض. ما الذى يجعلنى واثقة إلى هذه الدرجة فى وعود الفريق أحمد شفيق، وأنه لن يرجع عقارب الساعة إلى الوراء؟!
إننى لا أعرفه شخصيا، ولكنى أدرك أنه المرشح الوحيد للحكومة المدنية. وما يدعم ثقتى به الضمانات الدستورية والسياسية المتاحة بعد ثورة 25 يناير.
أولها: قيام مجلس الشعب بوظيفته الرقابية على الحكومة على أكمل وجه؛ فإنه بالرغم من أغلبية التيار الدينى، إلا أن كل الاتجاهات السياسية الرئيسية ممثلة فيه. ويضاف إلى ذلك سلطة مجلس الشعب فى أخذ قرار بأغلبية الثلثين بمحاكمة الرئيس بتهمة الخيانة العظمى، وتشكيل محكمة خاصة بذلك.
ثانيها: المعارضة من خارج البرلمان، وتتمثل فى كل القوى الوطنية؛ سواء من خلال الأحزاب أو النقابات أو الجمعيات.
ثالثها: الإعلام الحر فى الجرائد القومية والخاصة، وفى الفضائيات الرسمية والخاصة.
رابعها: ميدان التحرير كآخر ملجأ؛ فتكرار المظاهرات والتجمعات والاعتصامات يهز الاستقرار، ويضيع المصلحة الوطنية. ولقد أصبح واضحا أنه بعد ثورة 25 يناير لن يستطيع أى رئيس قادم أن يحيد عن إرادة الشعب، إلا إذا كان ارهابيا! وباختصار. لقد شاء القدر أن يواجه الفريق أحمد شفيق هذا الاختبار الصعب، وأرى أن علينا أن نسانده؛ ليحمى الدولة المدنية المصرية التى امتدت لأكثر من قرنين من الزمان، وليحقق آمال الشعب المصرى الذى لا يعرف الهزيمة، ولا يقبل الإذلال ولا الاستعباد باسم الدين. إننا لا نريد أن نمر بتجربة إيران التى تابعناها بتفاصيلها؛ عندما ساندت العناصر الوطنية والماركسية ثورة الخمينى ضد الشاه، ثم بعد أن وصل الإسلاميون إلى الحكم فتكوا بهم، وانتهت الدولة المدنية حتى الآن!
إننى أدعو إلى أن ننحي الانفعال جانبا، ونفكر بهدوء فى مصلحة الوطن ومصيره، وفى مقدراتنا نحن الشعب المصرى؛ وننظر إلى المستقبل بكل التفاؤل، ونؤدى واجبنا القومى باختيار الدولة المدنية التى يحمل لواءها الفريق أحمد شفيق.
*عن/ صحيفة (الاهرام) المصرية
حتما.. سأنتخب الدولة المدنية
أخبار متعلقة