د. أشواق علي سالم بن بريك اللجوء إلى وسائل الإكراه والتعذيب والقسوة للحصول على اعتراف أو القيام بأداء عمل معين أو الامتناع عن أداء عمل معين أو للحصول على معلومات، يعد عملا منافيا للأخلاق ويحط من كرامة الإنسان وينتهك الحقوق الفردية والحريات. لذلك تشكل قضايا التعذيب والعنف والإكراه على الاعتراف التي غالباً من ترتبط بحالات تتعلق بحقوق الإنسان مثل الاحتجاز والتوقيف التعسفي والاختفاء القسري، تحديا للمجتمعات المدنية التي تنادي بحقوق الإنسان. وقد جاءت القوانين التي تحرم التعذيب، تحريرا وحماية للأفراد من وسائل العنف المادي والمعنوي كالإرهاب والاستبداد الإداري والقسوة، وتحريرا للقضاء من التدخل غير المشروع في شؤونه. فتعذيب المتهم فيه تضليل للعدالة واعتداء على نزاهة القضاء وحياديته، وتفقده أهم صفاته وهي العدل، غير أن قيام الدول بإلحاق المواثيق الدولية بقوانينها الوطنية بطرق غير مكتملة، أدى إلى ظهور تعريفات وعقوبات تجعل من تطبيق القوانين الوطنية في تضارب مع تفعيل القانون الدولي، من ذلك: التساهل مع أعمال التعذيب واعتبارها مخالفات أو تقصيراً، إضافة إلى عدم فعالية أساليب التحقيق والملاحقة القضائية وتنفيذ الإحكام، نتيجة خلل قانوني أو فساد. تشريع ممارسة التعذيب في بعض القوانين الوطنية الخاصة عبر الاعتقال دون إشعار أقارب الشخص أو أسرته، واستخدام الأدلة المنتزعة تحت التعذيب كأدلة، إضافة إلى الاحتجاز في أماكن سرية. وجود قوانين خاصة تساعد على التلاعب بالأدلة وتزويرها أو إتلافها، وتمنع موظفيها من التبليغ عنها أو الشهادة بها، وهو ما يجعل من عملية البحث عن أدلة دامغة ضد مرتكبي أعمال التعذيب أو التعرف على هوياتهم عملا بالغ الصعوبة يحرج الشهود ويجعلهم عرضة للأعمال الانتقامية التي قد يتخذ بعضها شكل الإجراءات القانونية.حماية المسؤولين عن أعمال التعذيب بقوانين العفو المحلية أو قوانين الحصانة أو القوانين الخاصة بمحاكمة شاغلي وظائف الدولة العليا. 1 - تعريف التعذيب : إن كافة أشكال وأنواع التعذيب تعتبر أعمالاً منافية لمبادئ حقوق الإنسان وعرفتها الفقرة (1) من البند (1) من الجزء الأول لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، والمعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (39/ 46) المؤرخ في 10 ديسمبر 1984م بأنها: " أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أو عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث- أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو ملازم لها أو يكون نتيجة عرضية لها ".بذلك تكون العناصر التي يلزم توفرها حتى يأخذ فعلا ما صفة التعذيب هي : -1 أن يلحق عمداً بشخص ما. -2 أن يتسبب للشخص بألم أو أذى شديدين جسدياً أمنفسياً. -3 أن يكون الغرض منه : أ. انتزاع معلومات من ذلك الشخص أو ب . الحصول على اعتراف من ذلك الشخص أو شخص ثالث أو ج- معاقبة شخص على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث. -4 أن يكون القصد منه : أ. تخويف شخص أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو ب. إلحاق الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز ايا كان نوعه. -5 أن يقوم به موظف حكومي أو أي شخص آخر بصفته الرسمية من خلال الأمر به أو الموافقة أو التحريض عليه أو السكوت عنه. -6 أن لا يكون ناشنا فقط عن تطبيق عقوبات جنائية مسموح بها قانوناً أو متلازم مع تلك العقوبات أو نتيجة عرضية لها. أما فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة، فإن عنصر الغرض، يتحقق إذا أمكن البرهنة على أن الأفعال المرتكبة تستهدف المرأة بالذات مادام التمييز أحد العناصر المذكورة في تعريف العذيبالوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب فضلا عن ذلك يمكن افتراض وجود القصد، إذا أمكن البرهنة على أن الفعل كان له غرض محدد. أما المعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية، فقد عرفتها آليات المعاهدة الأوروبية لحماية حقوق الإنسان بأنها (تلك التي تؤدي إلى إذلال الشخص بشكل كبير أمام الآخرين أو تدفعه إلى التصرف ضد إرادته وضميره). لقد راعت الدول الأطراف عند توقيعها لاتفاقية مناهضة التعذيب، المادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن: " لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة ". والمادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة الذي اعتمدته الجمعية العامة في 9 ديسمبر 1975م، والتي تنص على أنه : " لايجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص ، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية على أحد دون رضاه الحر". وكلتا المادتين لا تجيزان التعذيب أو المعاملات القاسية والوحشية غير الإنسانية أو الحاطة بالكرامة. حيث تتعدد أنواع التعذيب وأساليبه، لكنها تشترك في أهدافه بإحداث إيذاء بدني أو نفسي، يترتب عليه إصابات جسدية أو آلأم ومعاناة نفسية، قد تؤدي إلى عاهة مستديمة أو عجز وأحيانا الوفاة أو أمراض قد تستمر مع الشخص مدى الحياة، وقد تؤدي به إلى الجنون. وتشكل الآثار النفسية للتعذيب أكثر الأضرار كونها تلازم الشخص وتترك في حياته وفي حياة أسرته بصمات لا تمحى. فعملية التعذيب النفسي تؤدي إلى تقهقر المجني عليه وعدم توازنه وفقدانه القدرة على التركيز والإبداع وانعدام الأمل والخضوع والاستسلام، وافتقاره إلى وسائل التعامل مع المواقف ومواجهة الأزمات أو التواصل مع الأشخاص المحيطين، إلى أن يصل به الحال حد إلحاق الأذى بنفسه. 2) موقف المواثيق الدولية من جريمة التعذيب إن من أهم حقوق الإنسان، الحق في الحياة والسلامة والكرامة الإنسانية وإن يعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية، وعدم إلزامه بالشهادة ضد نفسه أو الاعتراف بأنه مذنب. والتعذيب نوع من العنف أو الإكراه المادي أو المعنوي، يمارسه رجل السلطة على الأفراد لأهداف مختلفة. وتعتبر جريمة التعذيب واستعمال القسوة، من جرائم الاعتداء على الحرية الفردية التي تعد جرائم عمديه يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي أي العلم بالفعل وإرادته ثم في توقع النتيجة دون إرادتها. فالفعل الذي يقوم به أحد أفراد السلطة اعتماداً على وظيفته وباسمها لتنفيذ مأرب له أو للسلطة بغير وجه حق يعد جريمة، لا يكفي فيها كونه قد صدر من موظف معتمداً على سلطة وظيفته بل يجب أن يكون هذا الفعل مستجمعاً للخصائص القانونية التي تشكل الجريمة. أولاً : موقف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان منذ صدور الإعلان العالم لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948م، صدرت العديد من المواثيق والعهود الدولية أرست قواعد حقوق الإنسان الأساسية، وأصبحت مصدراً قانونياً ملزما في مجالات حقوق الإنسان المختلفة خصوصاً فيما يتعلق بالفئات الضعيفة. من تلك الاتفاقيات اتفاقية حقوق الطفل الصادرة من الأمم المتحدة، والتي تشدد في مادتها رقم (37) على : " إلا يعرض أي طفل لتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة". علاوة على الأطفال، تعتبر النساء عرضه لأنواع مختلفة من للتعذيب مثل الاغتصاب وغيره من ضروب الاعتداءات الجنسية وجاء الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 ديسمبر 1993م، يشير نصيا في الفقرة (ج) من المادة (3) إلى حق المرأة في عدم تعريضها للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. من جانب آخر تتعرض الجماعات العرقية والمهمشين للتمييز والتعذيب بشكل عنصري في انتهاك صارخ للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري .ومن اجل استكمال الإجراءات التنفيذية للقوانين الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان طورت أجهزة الأمم المتحدة من مبادئ الاتفاقيات الدولية بإلحاقها بقواعد توجيهية محددة ومفصلة ومنها: -1 إقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة بقراريه (663 جيم ( د. 24) المؤرخ في 31 يوليو 1957م و (2076 د- 62) المؤرخ في 13 مايو 1977م، للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي أوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في جنيف عام 1955م، والتي جعلت من العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة، وأية عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، محظورة كليا كعقوبات تأديبية . واشترطت لعقوبات أخرى يحتمل أن تلحق الذي بصحة السجين الجسدية أو العقلية، توافر شهادة طبية خطية بأن السجين قادر على تحمل مثل تلك العقوبة، وزيارات يومية للطبيب الذي له أن يوصى بوقفها أو تغييرها عندما يرى ضرورة لذلك. -2 نتيجة للدور المحوري الذي يلعبه الموظفون الصحيون والأطباء في حماية السجناء فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم (37 /194) المؤرخ 18 ديسمبر 1982م، مبادئ آداب مهنة الطب المتصلة بحماية المسجونين والمحتجزين من التعذيب والتي تلزم الموظفين الصحيين بحماية صحة المحتجزين البدنية والذهنية، وتحظر عليهم المشاركة إيجاباً أو سلباً في أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة أو توطنهم مع مرتكبيها أو تحريضهم عليها أو تورطهم في علاقات مهنية مع السجناء أو المحتجزين لا يكون هدفها مرتبطاً بعملهم الإنساني، إضافة إلى مخالفة جسيمة لآداب مهنة الطب وجريمة بموجب المواثيق الدولية. وحددت تلك المبادئ الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الموظفون الصحيون والأطباء في علاقتهم بالسجون وتمثل مخالفة لمهنة الطب حتى في حالات الطوارئ، على النحو التالي: -1 استخدام مهاراتهم ومعارفهم للمساعدة في استجواب السجناء والمحتجزين أو في تقييد حركتهم على نحو قد يضر بالصحة أو الحالة البدنية أو العقلية لهم. -2 الشهادة، أو الاشتراك في الشهادة، بلياقة السجين أو المحتجز لأي شكل من أشكال المعاملة أو العقوبة قد يضر بصحته البدنية أو العقلية، أو المشاركة باية كيفية في تلك المعاملة أو في إنزال تلك العقوبة التي تتنافى مع الصكوك الدولية ذات الصلة. -3 كما تبنت الجمعية العامة في ديسمبر 1979م، مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، التي تمنع التعذيب وتؤكد المادة الأولى من إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري المصادق عليه من قبل الجمعية العامة في ديسمبر 1992م، على الحق في عدم التعرض للتعذيب. ثانياً : موقف القانون الإنساني الدولي أن القانون الإنساني الدولي المتمثل باتفاقيات جنيف والبروتوكولين الملحقين بها، حرم التعذيب ونص على أن كل شخص يتمتع بالحق المطلق في الحماية من التعرض للتعذيب حتى في زمن الحرب، ووفق المادة (75) والمادة (4) اعتبر التعذيب من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وكفلت المادة المشتركة الثالثة من اتفاقيات جنيف الأربع الحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية والاعتداء على الكرامة الشخصية والمعاملة المهنية والحاطة بالكرامة. حيث تمنع المادة (31) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحروب، منعا باتا استعمال القوة للحصول على المعلومات، وتحظر ممارسة أي إكراه بدني أو معنوي إزاء الأشخاص المحميين، بهدف الحصول على معلومات منهم أو من غيرهم. وتوجب المادة (13) من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب على (حماية اسرى الحرب في جميع الأوقات، وعلى الأخص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير " كما تنص المادة (17) على أنه " لا يجوز ممارسة أي تعذيب بدني أو معنوي أو أي إكراه على أسرى الحرب لاستخلاص معلومات منهم من أي نوع ولا يجوز تهديد أسرى الحرب الذين يرفضون الإجابة أو سبهم أو تعريضهم لأي إزعاج أو إجحاف " ويعد التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية المقترف في حق أسرى الحرب انتهاكا جسيماً للاتفاقية بموجب المادة (130). كما نصت المادة (75) للبرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية، على أن : " التعذيب بشتى صوره بدنيا كان أم عقلياً ضد الأشخاص الذين في قبضة أحد أطراف النزاع ولا يتمتعون بمعاملة أفضل بموجب اتفاقيات جنيف، يظل ممنوعاً في أي زمان ومكان سواء ارتكبها معتمدون مدنيون أم عسكريون" هذا الاتجاه سار عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وفقاً لاختصاصها الوارد في المادة (5)، حيث جرم النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة التعذيب باعتبارها جريمة ضد الإنسانية وجريمة من جرائم الحرب. * أستاذ مشارك كلية الحقوق - جامعة عدن
|
اشتقاق
الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وتطبيقاتها في التشريع اليمني
أخبار متعلقة