منذ أسبوعين تقريباً تلقيت دعوة عبر «فيس بوك» من إحدى تلميذاتي العزيزات القديمات لأشارك في الحملة العالمية Autism للتوعية بالتوحد لم أكن أعرف الكثير عن هذه الإصابة، فبدأت أقرأ حول الموضوع، بالإضافة إلى قراءة كل ما تنشره تلميذتي عبر صفحتها كل يوم فأزداد وعياً وأزداد ثقة بأن من حق المصابين بهذا المرض وأسرهم أن نتكاتف جميعاً لأجلهم ولأجل التوعية بما يعيشونه، ومن طلابنا نتعلم. فشهر أبريل رغم أنه شهر «الكذبة الشهيرة» فإنه أيضاً شهر التوعية بمصابي التوحد الذين لا يعرفون الكذب أبداً، والذين لا يطلقون الأحكام على الآخرين ولا يلعبون الألاعيب، على الأقل هذا ما تقوله الحقائق الصادرة عن الهيئات المعنية بهذه الإصابة. فهم لا يرون إلا الجانب الحلو في الآخرين ولا يلجؤون أبداً للكذب لتخليص أنفسهم من ورطة وقعوا فيها.كلنا تقريباً قد التقينا بشخص يذهب ويجيء متبعاً نمطاً واحداً لا يحيد عنه، ومشية واحدة لا يغيرها، يكرر السلوك نفسه، يحرك رأسه أو جسده وفق نمط واحد، يملأ الكيس بالحصى مثلاً ويفرغه مرة، مرتين، عشر، بل مئات المرات ولساعات طوال دون أن يملّ، يرفرف بيديه أمام وجهه، يحادث نفسه بعبارات متكررة، لا ينظر في أعيننا مباشرة، لا يتواصل معنا، وغير معني بنا، مهتم فقط بنفسه، ويعرف كيف يسليها، هذا هو أشهر نموذج للمصابين بالتوحد وإن كان هناك طيف من السلوكيات والتصرفات التي يقوم بها المصابون بالتوحد وبدرجات مختلفة ومتفاوتة، كما أن التوحد أنواع وليس نوعاً واحدًا. وفي اليونانية autos «أوتوس» هي الذات، الانشغال بالذات والعيش معها هو ما يلخص هذه الإصابة. والتوحد مرض غامض، هو اضطراب في الجوانب التفاعلية والتواصلية اللغوية، وغير اللغوية والسلوكية يظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل فيؤثر في قدرته على التواصل الاجتماعي واستخدام اللغة، إلا أن المصابين به حساسون للأصوات، يزعجهم تغيير الروتين، ويقلقهم التغيير بشكل عام فيكرهون تغيير أماكن قطع الأثاث، أو تغيير قائمة الطعام كل يوم، يشاهدون برنامجاً واحداً لاغير، ويلعبون بلعبة واحدة فقط بلا كلل. ويجدون صعوبة في الاقتراب من الآخرين جسدياً.أسباب الإصابة غير معروفة بشكل قاطع لكن هناك من يردها لأسباب سيكولوجية أو بيئية أوعضوية، مثل تقدم سن أحد الوالدين أو كليهما في العمر، إصابة الأم بمرض ما أثناء الحمل، وصعوبات أثناء الولادة وخاصة ما يرتبط منها بما يؤدي إلى قلة وصول الأوكسجين إلى مخ الطفل بالإضافة إلى تلوث البيئة واللقاحات والأمصال وخلل المناعة في بعض الحالات، وخاصة إن كانت هناك عوامل وراثية تؤدي للإصابة. لذلك يعتبر تناول حمض الفوليك أسيد أثناء فترة الحمل من الأشياء الضرورية لكل أم تنتظر مولوداً جديداً. تقول الإحصائيات إن هناك عشرات الملايين من المصابين بالمرض حول العالم، وإن اثنين من كل 136 شخصاً مصابان بالتوحد. وإن الأولاد بـ «أربع مرات» أكثر عرضة للإصابة بالتوحد من البناتإلا أن التدخل المبكر لتطوير مهارات الطفل المصاب قد يساهم بشكل كبير في رفع كفاءته ويزيد من قدرته على الاندماج في المجتمع وتحقيق إمكاناته، فكثير من المصابين بالتوحد متميزون في مجالات الفنون والرسم والموسيقى والرياضيات التوعية مهمة حيث في حالات كثيرة يختلط الأمر على أولياء أمور الأطفال فلا يدركون أن هناك مشكلة عند الصغير أو أنهم ينكرون الفكرة من أساسها ولا يصدقون حقيقة إصابة صغيرهم.لم يُشخَّص المرض، ولم يتم الحديث عنه قبل عام 1944 إلا أنه بالطبع كان موجودًا عبر التاريخ منذ العام 2008 حددت الأمم المتحدة يوم الثاني من أبريل يوماً عالمياً للتوعية بالمرض، لذلك في عام 2010 كانت هناك دعوة عالمية بأن تضاء أشهر الأماكن في العالم باللون الأزرق في هذا اليوم من كل عام وبالفعل أضيء برج العرب وأوبرا سيدني وشلالات نياغارا وبرج كانتون والبرلمان الهنغاري وقلعة صلاح الدين وغيرها من الأماكن المهمة باللون الأزرق. وقد قامت بعض المدارس والهيئات التعليمية هذا العام في مصر برفع الأعلام الزرقاء وطالبت طلابها بارتداء اللون الأزرق في هذا التاريخ أملاً في دعم المصابين بهذا المرض وأسرهم ، إضافة إلى تسليط الضوء على هذا المرض الذي لم يأخذ حقه من الاهتمام رغم خطورته المتزايدة، حيث تزداد نسبة المصابين بالمرض بمقدار17-10بالمئه كل عام. فالأطفال المصابون بالتوحد لهم الحق في الاستمتاع بطفولتهم والعيش بكرامة والاندماج في مجتمعاتهم الأزرق هو اللون الذي يمثلهم، يمثل الأشخاص المصابين بالتوحد، الأزرق لون الصدق والعمق والذكاء. فمصابو التوحد فيهم كل هذه الصفات لكن آن الأوان لأن نتعامل معهم باعتبارهم أسوياء يحتاجون إلى طريقة خاصة في التواصل لتحقيق إمكاناتهم الحقيقية. هي دعوة للتركيز على نقاط القوة والتفرد عندهم وليس نقاط الضعف. بالتعلم - تعلمهم وتعلمنا- يصبح المصابون بالتوحد أقل توحداً.حين سُئل طفل عن أصعب شيء يعانيه بسبب إصابته بالتوحد قال: أن يطالبني الجميع بأن أتصرف كما يتصرفون وأن أسلك نفس سلوكهم.
|
آراء
الأزرق لون اليوم العالمي للتوحد
أخبار متعلقة