يهيمن الوقود الأحفوري على نظم الطاقة في المنطقة العربية، كما في كثير من مناطق العالم، وهي نظم غير مستدامة سواء من الناحية الاقتصادية أو البيئية أو الاجتماعية. وعلى رغم أن كثافة استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون للفرد هي من بين الأعلى في العالم، فإن أكثر من 50 مليون عربي يفتقرون إلى خدمات الطاقة العصرية، خصوصاً الكهرباء. غير أن المنطقة العربية، بخلاف الكثير من مناطق العالم، تنعم بوفرة في مصادر الطاقة النظيفة المتجددة، وعلى رأسها الشمس والرياح. ومن شأن هذه المصادر المتجددة، بالتوازي مع تحسين كفاءة الطاقة أن تساهم في تنويع الطاقة وتعزيز استدامتها في المستقبل. يؤدي قطاع الطاقة في البلدان العربية دوراً حيوياً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. لكن عائدات النفط لم تنجح في خلق التنويع الاقتصادي بالقدر الذي طمحت إليه بلدان عربية كثيرة منتجة للنفط، ما جعل معظمها معتمداً بشكل كبير على عائدات النفط المتقلبة. ويمكن للبلدان العربية أن تعزز تنويع قطاعها الطاقوي واستدامته باتخاذ خيارات إستراتيجية حاسمة، تستتبع إمكانات اقتصادية عالية وتؤمن في الوقت ذاته إدارة متوازنة للموارد. وتشمل هذه الخيارات كما ورد في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية للعام 2013 حول الطاقة المستدامة: تحسين كفاءة الطاقة، استثمار الإمكانات الهائلة لموارد الطاقة المتجددة غير المستغلة، استخدام احتياطات النفط والغاز بطرق أنظف. وينبغي استغلال عائدات صادرات النفط لبناء قدرة إقليمية على تطوير وحيازة تكنولوجيات الطاقة النظيفة. تجدر الإشارة إلى أن سوق الطاقة المتجددة في البلدان العربية تتوسع بسرعة، إذ تعلن بلدان عدة عن مشاريع وسياسات لاستخدام وفرة موارد الطاقة المتجددة في تعزيز النمو الاقتصادي وأمن الطاقة. ولكن، كما أشار «تقرير حالة الطاقات المتجددة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»: «يجب معرفة مدى نجاح الطموحات الحكومية، التي يدعمها حالياً التمويل العام، في الوصول إلى سياسات وآليات وحوافز شفافة وطويلة الأجل ومرتبطة بأوضاع السوق، تشجع القطاع الخاص على المشاركة في توسيع قدرات توليد الطاقة المتجددة.» لقد أشار خبراء السياسات والاستثمار والأعمال إلى أن اقتصاد الطاقة النظيفة آخذ في البروز كواحدة من الفرص الاقتصادية والبيئية العالمية الكبرى في القرن الحادي والعشرين. وبات القادة على المستويات المحلية والوطنية حول العالم يدركون أن تعزيز استخدام الطاقة المأمونة والموثوقة والنظيفة يتيح لهم إيجاد الوظائف وتحفيز الأعمال والمشاريع، وتعزيز أمن الطاقة، وتحسين الهواء والصحة العامة، والتخفيف من آثار تغير المناخ. وقد أكد تقرير «أفد» أن في وسع البلدان العربية، إذا التزمت بسياسات واستثمارات ملائمة طويلة الأجل، أن تنضم إلى نادي الطاقة النظيفة العالمي، وأن تخلق بذلك فرص عمل جديدة عالية الأجور، وتصدر الطاقة المتجددة بالإضافة إلى النفط والغاز. استمرار اعتماد العالم العربي المفرط والمتزايد على الموارد الهيدروكربونية لتلبية احتياجاته المحلية من الطاقة يثير أيضاً تحديات من نوع مختلف. فتصاعد الطلب المحلي على الطاقة يستنزف الإنتاج النفطي بشكل متزايد، ويحول كميات متزايدة منه إلى الأسواق المحلية بعيداً عن التصدير. ويقدر بعض المحللين أن منتجي النفط العرب قد يخسرون ما يصل إلى 90 دولاراً لكل برميل نفط يستعمل محلياً بدلاً من تصديره. عقد مجلس الطاقة العالمي مؤخراً مؤتمر الطاقة العالمي لسنة 2013 في كوريا الجنوبية، بمشاركة أكثر من 6000 مندوب من 113 بلداً. وإذ قرأت البيان الرسمي الصادر عن المؤتمر، وجدت تشابهاً كبيراً بين النتائج والتوصيات التي توصل إليها المؤتمر وتلك الواردة في تقرير «أفد» هنا بعض الأمثلة على ذلك، أنقلها حرفياً. يزداد التعقيد والغموض بوتيرة متسارعة، وينبغي على قادة الطاقة في القطاعين العام والخاص اتخاذ قرارات ملهمة. ويجب التصرف فوراً. إذا كنا نريد الحصول على الفوائد الاقتصادية والاجتماعية الكاملة من موارد الطاقة، فعلينا اتخاذ إجراء حاسم وسريع لتعديل مقاربتنا لحلول الطاقة. فمقاربات الوضع القائم ليست فعالة. المخاطر الناجمة عن العلاقة التلازمية بين الطاقة والمياه، والأحداث المناخية المتطرفة، والإرهاب الإلكتروني، على سبيل المثال لا الحصر، تعرض بنيتنا التحتية الخاصة بالطاقة لكوارث محتملة. علينا سريعاً أن نكيِّف ونراجع مرونة هذه البنية التحتية. إذا أردنا الحصول على أكبر الفوائد الاجتماعية والاقتصادية من نظمنا الطاقوية، فيجب أن يتحول التركيز من مزيج الإمدادات إلى كفاءة الطلب. إننا نحتاج إلى مزيد من الاستثمارات المتعلقة بالطلب، والابتكار، والحوافز، ومعايير تقنية أقوى، لتخفيض كثافة استهلاك الطاقة. إن قيود الأسعار ودعم الأسعار والحواجز التجارية تشوه السوق وقد تكون لها عواقب غير متعمدة، لذلك على صانعي السياسات عدم اللجوء إليها إلا لماماً وعدم التصرف سيجعل الشرق الأوسط يعاني من ازدياد الطلب على الطاقة وكثافة استهلاكها.
|
ابوواب
طاقة مستدامة للمنطقة العربية
أخبار متعلقة