سطور
احمد صالح الفقيه :لوقت طويل كانت هناك تصورات متعددة حول الكيفية التي يتم بها تعلم اللغة وهي في معظمها تصورات صوفية غامضة وقد حققت علوم اللغويات النظرية والطبيعية تقدماً كبيراً خلال العقود القليلة الماضية التي تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية وسادت مدرستان أساسيتان في هذا المجال . هما المدرسة السلوكية القائمة على علم النفس السلوكي والمدرسة الإدراكية القائمة على علم النفس الإدراكي وقد عرف السلوكيون ايضاً بالتجريبين كما عرف الادراكيون بالعقليين أو العقلانيين. وقد انبثق عن مدرسة علم النفس السلوكي مذهب اللغويات البنيوي وذلك في القرن العشرين. وأدى اندماج علمي اللغويات والنفس في القرن العشرين إلى ظهور ( علم نفس اللغويات) والذي انبثقت منه بدوره نظريات تعلم اللغة. وقد اعتمدت المدرسة البنيوية عدداً من المبادئ أهمها : أن الدماغ يبدأ كصفحة بيضاء وانه لا قبول لأي غوامض وأسرار والاقتصار على ما يمكن ملاحظته فقط .. وان أساس تعلم اللغة قائم على عمليتي الاستثارة والاستجابة التي يجب دعمها بالمكافآت. وارتبطت أسماء عدد من العلماء المشهورين بهذه المدرسة منهم بافلوف وثورندايكن واسكينز وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات في نظرياتهم إلا أن الثلاثة مجمعون على أن التعلم يتم من خلال ارتباط الاستجابة بالمثير ودعم الاستجابة المطلوبة ولهذا أطلق عليهم اسم الارتباطن . وقد كانت تجربة بافلوف الشهيرة حجر الزاوية في نظرية المثير والاستجابة فقد كان لعاب الكلب في التجربة يسيل عند الشروع في تقديم الطعام إليه فقرر تقديم الطعام برنين جرس في الموعد نفسه فلاحظ أن لعاب الكلب كان يسيل عندما يرن الجرس حتى في غياب الطعام . ولكن كما كانت النظرية البنيوية رد فعل النظريات الغامضة التي سبقتها فقد جاءت نظرية البنية الجملية التي قال بها البروفسور نعوم تشومسكي عام 1975م وهي ابرز النظريات الإدراكية كرد فعل على النظرية البنيوية وعلى النقيض منها قالت الإدراكية بأن الدماغ ليس صفحة بيضاء بل إن فيه قدرات وراثية تخص كل نوع من الكائنات الحية. واستخدم تشومسكي عبارة ( جهاز امتلاك اللغة) لوصف هذه القدرات الموروثة وقال بأن هذا الجهاز يتكون من منتج للفرضيات وبنية لغوية عالمية وآلية تطوير واخيراً النحو.ويتضمن ذلك أن منتج الفرضيات يقوم بتكوين بعض الفرضيات على أساس من البيانات التي يتعرض لها الطفل ويتلقاها حيث تجري عملية غربلة لهذه الفروض في الدماغ على ضوء البنية اللغوية الموروثة وعند المقارنة بين الفروض والبنية اللغوية تحدث عملية تطوير للفرضية يحتفظ خلالها الدماغ بما يتطابق مع بنيته اللغوية ويتخلى عما عداها . وعندما يتعرض الطفل إلى مزيد من البيانات فإن العملية كلها تتكرر ويستمر ذلك حتى يتمكن من معرفة البنى النحوية الخاصة باللغة التي يتعلمها والبنية اللغوية العالمية الموروثة ثابت أساسي موجودة في الدماغ الإنساني دون تعليم أو تعلم وهي منقولة جينياً تماماً كقدرة الطائر على تعلم الطيران . وقد جرى تطوير نظرية تشومسكي فيما عرف بتيار المعالجة ضمن النظرية الإدراكية على يد كل من سلوبين ثم جان بياجيه فقال الأول : أن الطفل يولد بالقدرات اللغوية الإدراكية ولكن البنية اللغوية تنتج عند استخدام تلك القدرات بينما قال الثاني : أن الطفل يولد ببعض القدرات التي تؤسس لعملية التعلم بينما الباقي كله عبارة عن تعلم تطوري ناتج عن التفاعل مع الآخرين والمحيط.