د. عبدالواحد عبدالرحمن احمد كنا قد عرضنا في مقالة سابقة قصة من القصص الرمزية التي كتبها الدكتور علوي عبد الله طاهر بعيد توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في 30 نوفمبر 1989م بأيام قليلة وهي قصة ( سهيل ) والتي رمز فيها الكاتب الى الوحدة اليمنية وكان قد تنبأ فيها بما ستواجهه الوحدة من مشكلات ومعوقات ادت الى اعاقة مسارها وتعطيل وظيفتها وجاءت الاحداث فيما بعد وفقاً لما كان الكاتب قد تنبأ به.وكنا كذلك قد وعدنا القراء بدراسة قصص اخرى للدكتور علوي طاهر والتي يغلب عليها الطابع الرمزي وتعهدنا بكشف اسرار تلك القصص من خلال دراستها من منظور التحليل النفسي وبيان المغزى السياسي او الاجتماعي الذي عمد الكاتب الى اخفائه وقتها باستخدام الرمز ذلك أن الكاتب وقتها كان مقيداً بقيود العنف الفكري الذي يتح لم له امكانية الافصاح عما يريد قوله وهو ما ألجأه الى استعمال الرمز لتحاشي اذى السلطة التي لم تكن حينها تسمح بانتقادها او الاعتراض على اجراءاتها او رفض تنفيذ قراراتها . وها نحن الآن نفي بما وعدنا القراء القيام به بشأن تحليل قصص الدكتور علوي طاهر من منظور علم النفس الاجتماعي ولنأخذ واحدة من تلك القصص التي كتبها الدكتور علوي طاهر قبل قيام دولة الوحدة وهي الموسومة بعنوان ( قاهي مقلوبة من سفل النقيل ) والمنشورة في صحيفة (صوت العمال) العدد ( 928) الصادر في 26 اكتوبر 1989م أي قبل اربعة ايام من توقيع اتفاقية دولة الوحدة من قبل قيادة الشطرين. واذا كانت قصة ( سهيل ) التي حللناها في المقالة السابقة قد نشرت بعد توقيع اتفاقية الوحدة بسبعة أيام ، فإن هذه القصة التي ندرسها الآن كانت قد نشرت قبل توقيع تلك الاتفاقية بأربعة ايام بما يعني أن الكاتب في القصة الاولى تنبأ بالمستقبل في حين انه في هذه القصة يقيم مرحلة ما قبل الوحدة ، وينتقد الممارسات الخاطئة التي مارسها النظام في تلك المرحلة والتي عانى فيها المواطن كثيراً من جراء التعامل معه كسخرة لخدمة النظام وتنفيذ قراراته دون أي اعتراض او مناقشة بصرف النظر عن كون تلك القرارات صائبة ام خاطئة . لقد كان المواطن المسكين قبل الوحدة مجبراً على القيام بأعمال لا قدرة له على القيام بها بمفرده ومجبراً على تنفيذ قرارات الحزب الحاكم . حتى لوكانت ضد مصالحه، هل كان راضياً بتخفيض راتبه عندما خرج ذات يوم ليهتف: (تخفيض الراتب واجب) وهل كانت المرأة مقتنعة بالسفور عندما هتفت ذات يوم (تحريق الشيذر واجب)؟ وهل كان الموظف مقتنعاً بالنظام الاداري السائد الذي هشمت فيه الخبرات، وعطلت فيه القدرات، وحوربت فيه الكفاءات، حين كان يتم تعيين قيادات ادارية في مرافق او مؤسسات هامة، بدافع الولاء للحزب ، او الإنتماء للقبيلة، او الصداقة الشخصية، دون أي اعتبار لصلاحية، القائد في شغل المنصب القيادي من عدمه.الم يكن ذلك سبباً في هروب الكفاءات من البلد، واضطرارها الى بيع قوة عملها في دول الجوار، وتسخير طاقاتها لخدمة الشركات الاجنبية، في هذه الدولة او تلك.هل كانت التنمية في البلد تلبي طموحات الشعب، في ظل قوانين التأميم والمصادرة؟وهل كان الاقتصاد منتعشاً وبطاقات التموين، تحدد نصيب الفرد من السكر كل شهر؟ .. وهل .. وهل .. وهل ..؟ اسئلة كثيرة يصعب الإجابة عنها في الوقت الراهن، الا انها تكشف مدى معاناة الناس وقساوة حياتهم في مرحلة ما قبل الوحدة، واضطرارهم للتكيف مع اوضاع ماساوية، والعيش في ظروف قاسية، لا تقل قساوة عن ظروف ذلك الفلاح المسكين في قصة الدكتور علوي طاهر، حين وجد نفسه مضطراً لحمل المهر الذي انجبته حمارة الشيخ في الوادي اسفل النقيل، وتوصيله الى دار الشيخ الواقع في اعلى النقيل، في الوقت الذي كان يحلم بامتطاء مركوب يوصله الى داره الواقع في اعلى النقيل.لقد ادرك الفلاح المسكين ان اغانيه غير ممكنة التحقيق في ظل اوضاع قاسية لا قدرة له على التعاطي معها بإيجابية لشعوره ان الحياة تسير في اتجاه معاكس لامانيه وطموحاته ، وتحول دون تحقيق رغباته، فالمستقبل امامه قاتم، لان مجريات الواقع هي انعكاس للماضي السيئ، وتجسيد للحاضر الكئيب، فلا امل في المستقبل بالنسبة له مادامت مجريات الامور في حياته تجري في الاتجاه المعاكس لرغباته، وهو دفعه ليقول ـ وهو في حالة تذمر وسخط - : (ماهي مقلوبة من سفل النقيل).
|
ثقافة
رؤية تحليلية للرمز في حكاية ( قاهي مقلوبة من سفل النقيل ) للدكتور علوي طاهر
أخبار متعلقة