ليلة القدر هي احدى ليالي شهر رمضان، وهي ليلة مباركة لانه انزل فيها القرآن، وهي لذلك خير من الف شهر، مما يجعلها أعظم ليلة في السنة كلها، وفيها قال الله تعالى: «إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر» (القدر، 1 ـ 3).والقدر معناه: الشرف العظيم، وقيل سميت ليلة القدر لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر، وعلى لسان ملك ذي قدر، وعلى رسول ذي قدر، وعلى أمة ذات قدر.وتوصف هذه الليلة بالليلة المباركة، استنادا إلى قوله تعالى: «حم، والكتاب المبين، انا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين» (الدخان 1 ـ 3).وفضائل ليلة القدر كثيرة جدا فإلى جانب أنها الليلة المباركة التي انزل فيها القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فان فيها تنزل الملائكة والروح، فيستغفرون للمؤمنين ويترحمون على الأموات.وقد وردت في فضائل هذه الليلة جملة من الأحاديث، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». وعنه كذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب جهنم وتغل فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من الف شهر، ومن حُرم خيرها فقد حُرم» (رواه النسائي والبيهقي).وقيل في فضلها انه لو لم يكن من شرفها الا إنزال القرآن لكفى. وقال الله في شأنها إنها: «خير من ألف شهر» أي أن ثواب العمل فيها أفضل من ثواب العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.واذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حث المسلمين على إحياء ليالي رمضان جميعها بالقيام والذكر وتلاوة القرآن والإكثار من العبادة والعمل الصالح، فانه في الوقت نفسه دعا المسلمين الى تحري ليلة القدر والاجتهاد فيها بالطاعة والإكثار من التهجد والتعبد والضراعة ومضاعفة البر والإحسان وكثرة الصدقات وقراءة القرآن.وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه حث المسلمين على التحري لالتماس هذه الليلة في العشر الأواخر من شهر رمضان، والعمل على إحيائها بالعبادة والخشوع والعمل الصالح، فهي بمثابة إحياء للقلوب، وإذكاء للنفوس والتوبة والرجوع الى الله، والتمسك بدينه والتأدب بآدابه والكف عن نواهيه والشكر على نعمه.ويستحب في هذه الليلة أن يكثر فيها المسلم من الدعاء وطلب العفو والمغفرة، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «قلت يا رسول الله: أرأيت ان علمت ليلة القدر، ما اقول فيها؟ قال: قولي: اللهم انك عفو تحب العفو فاعفُ عني». (رواه احمد والترمذي).كما يستحب في احياء هذه الليلة المباركة بقيامها حتى مطلع الفجر، بتلاوة القرآن والاستغفار والتفقه بالدين وبالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.ولحكمة إلهية أخفى الله تعالى تعيين هذه الليلة، غير أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» رواه احمد والترمذي.ويروى ان عمر بن الخطاب دعا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر من رمضان، وهذه العشر هي التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر فيها من التعبد لله والتقرب اليه بملازمته الاعتكاف فيها.ففي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر الأواخر شد مئزره واحيا ليله وأيقظ أهله». وفي الترمذي: «ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها».وفي إخفاء هذه الليلة وعدم تعيينها أسرار كثيرة منها: ـ أن يجتهد كل مسلم في طلبها بكثرة العبادة والدعاء ليكون له ثواب الاجتهاد.ـ ومن الحكم في اخفائها كذلك التخفيف عن العصاة من عباده، فحساب المؤمن على المعصية التي يرتكبها في ليلة القدر، وهو يجهل أنها ليلة القدر، أخف بكثير من حسابه على المعصية نفسها التي تقع منه في ليلة القدر وهو يعلم أنها ليلة القدر.ـ كما ان الله تعالى لم يخص ليلة القدر بالإخفاء وحدها وإنما أخفى أشياء كثيرة غيرها.. فقد اخفى رضاه في الطاعات ليرغب الناس في كل الطاعات.ـ كما أخفى الله تعالى غضبه على المعاصي ليحترز الناس من عمل أي معصية.ـ كما اخفى الله وليه في الناس حتى يعظم الناس جميع الصالحين. ـ كما أخفى الله تعالى إجابة الدعاء ليبالغ الناس في كل الدعوات.ـ وأخفى كذلك الاسم الأعظم ليعظم الناس كل أسمائه الحسنى.ـ وأخفى الصلاة الوسطى ليحافظ الناس على كل الصلوات.ـ وأخفى قبول التوبة ليواظب المسلم على جميع أقسام التوبة وديمومتها.ـ وأخفى وقت الموت ليتوقعه المؤمن في كل وقت وفي كل يوم فلا يسوف في العبادة، أو يتباطأ في التوبة.ـ كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليدعو الناس فيها جميعها.ومع أن ليلة القدر قد أخفيت عن المسلمين، ليلتمسها الناس في جميع الليالي، بالعبادة وكثرة الطاعة والأدعية، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان.ومن هذه الأحاديث ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أٌروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم قد توافقت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر، أو كما قيل في العشر الأواخر.ومن هذه الأحاديث أيضاً ما رواه عبدالله بن عمر قال: رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) أرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها.
ليلة القدر
أخبار متعلقة