فــتــيــات الـــريــــف
استطلاع / أشجان المقطري يراودها الحلم أن تتمكن من القراءة والكتابة، تستمر في أحلامها بأن تكون معلمة وتتخيل نفسها طبيبة ومهندسة وإعلامية، الفتاة اليمنية بدأت في التواجد في عدد من المرافق والمؤسسات المهنية والخدمية في عواصم المدن والمحافظات، إلا أن فتاة الريف التي تمثل أعلى نسبة سكانية في اليمن، ما زالت تحلم بأن تتمكن من إنهاء مرحلة التعليم الأساسي والثانوي.صفحة “شباب وطلاب” التقت بعدد من الفتيات ومدراء المدارس وأولياء أمور الطالبات، أملاً في الوصول إلى معالجات “فعالة” لهذه المشكلة. لميس المقطري طالبة حاصلة على شهادة الثانوية العامة بتقدير 85 % أشارت إلى أسباب عدم التحاقها بالتعليم الجامعي قائلة: «لم يقتصر طموحي على التخرج من الثانوية العامة، لأنني كنت أطمح إلى أن أدرس الطب في الجامعة وبالذات “طب بشري” إلا أن أموراً بدأت تنكشف لي في مجتمعنا الريفي القبلي أجبرتني مكرهة على التنازل عن طموحي والاستسلام للأمر الواقع”.وقالت: قبل حصولي على الثانوية العامة “قسم علمي” كان البعض من أهل القرية يتعرضون لأهلي باللوم والعتب على سماحهم لي بالتعليم، ولا أدري هل هو غيرة أم حسد، وخصوصاً بعد أن بلغت سن الرشد، ما كان يسبب لي الكثير من المضايقات، ولكنني كنت في كل مرة ألح على أهلي ألا يكترثوا لقول الناس، كون التعليم ليس عيباً، ولكنني بالكاد حصلت على الثانوية العامة بفضل الله سبحانه وتعالى لأنني أجبرت بعدها مباشرة على الزواج من ابن عمي”.وأردفت قائلة: لقد طرحت على زوجي فكرة التحاقي بالجامعة إلا أنه لم يرحب بفكرتي، ما دعاني للاستسلام وكأن شيئاً لم يكن من تعليمي مادامت الثانوية هي نهاية المطاف.ويشير إبراهيم حيدر (مدير مدرسة) إلى أنه بالرغم من العلامات الممتازة التي تحصل عليها الطالبات في الصفوف الأولى مقارنة بزملائهن الطلاب، إلا أن تسرب الفتيات يبدأ من الصفوف السابع والثامن والتاسع والعاشر، بالتدريج وبمعدل سبع إلى ثماني طالبات سنوياً. ويؤكد عدم تخرج أي طالبة من الثانوية العامة خلال العام الماضي 2012م نظراً لعدم وجودهن في مرحلة الثانوية، لافتاً إلى أن بعض الفتيات اللاتي حصلن على شهادة الثانوية العامة خلال الأعوام الماضية بمعدلات مرتفعة لم يلتحقن بالتعليم الجامعي «بسبب ظروف اجتماعية وأسرية».[c1] تعليم الفتاة في الريف[/c]ويذكر رمزي قاسم (معلم بإحدى المدارس الريفية) أن إقبال الطالبات على التعليم في الصفوف الأولى لا يعتبر مؤشراً لتحسين أوضاع التعليم “تعليم الفتاة في الريف” لان هذا الإقبال حسب وصفه يقابله رحيل أعداد كبيرة من الطالبات في الصفوف الأمامية، وخصوصاً بعد إنهاء المرحلة الابتدائية، حتى لا نجد سوى طالبة أو طالبتين في المرحلة الثانوية وأحياناً تخلو تلك الصفوف من الطالبات.ويشير إلى أن عدد الفتيات الملتحقات بالدراسة خلال العام 2013م يوازي عدد الطلاب في الصف الأول الابتدائي، ولكن من المؤسف أن هذا العدد يتناقص تدريجياً وبصورة مستمرة خاصة في المراحل المتوسطة والثانوية. ويعتبر محمد إبراهيم “موظف” أن مصادرة حقوق الفتيات في الريف اليمني بما فيها الحق في التعليم تنتج عن مفاهيم خاطئة تأصلت في المجتمع القبلي وتوارثها الآباء عن الأجداد، مهمتها الحط من شأن المرأة وحصر دورها في إطار المنزل.ويضيف بقوله: إن معظم أولياء الأمور في الأرياف يعيشون العادات والتقاليد المتوارثة من العصر الجاهلي حيث يمارسون الوأد الفكري والنفسي ضد الفتيات بحيث تصبح الفتاة مسلوبة الإرادة والطموح داخل البيت أو يتم تزويجها في سن مبكرة بالإكراه خوفاً من العار.[c1] الزواج المبكر أو القبر[/c]ويقول أولياء أمور بعض الطالبات أن لديهم مبررات كافية لمنع بناتهم من مواصلة التعليم، وخصوصاً الثانوي والجامعي، حيث يرى الحاج سيف صالح يبلغ من العمر 65 عاماً، أنه ليس من الضروري أن تتعلم الفتاة الريفية وتحصل على الشهادة الثانوية أو الجامعية، حيث يعتبر أن تعليمها أمور دينها من صلاة وصيام وغيرها يكفي لأن لها أدواراً أخرى في المجتمع تتمثل في أعمال البيت، وتربية الأولاد والمزرعة وتربية المواشي، حسب قوله.وأشار إلى أن إفساح المجال أمام الفتاة التي بلغت سن الزواج لكي تتعلم يعتبر عيباً ومخالفاً للعادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع، لأن ذلك يمس العرض والشرف، باعتبار المرأة عورة ولا يمكن سترها إلا في البيت أو الزواج، مستشهداً بالمثل الشعبي القائل “المرأة ما لها إلا زوجها أو قبرها”.فيما لا يمانع الحاج عثمان عبده “يقرأ ويكتب” من تعليم الفتاة ولكن بشروط لابد من توافرها كما يراها، وهي أن يسمح للفتيات بالتعليم في إطار مدرسة خاصة بهن بعيداً عن الاختلاط مع الذكور إلى جانب توفير المواصلات إلى البيت، مدللاً بأن المرأة لا تسافر إلا ومعها محرم، لأن الفتاة في مثل هذه السن تتعرض للمضايقات.أما عن سماحه لإحدى بناته بمواصلة التعليم أجاب بالرفض قائلاً: إنني أخاف على عرضي وشرفي ولأن البنات مالهن أمان مهما بلغن من الشرف والعفة ومهما كان مستواهن التعليمي، مبيناً أن المغريات كثيرة هذه الأيام خاصة بعد دخول الديشات اللاقطة إلى كل بيت.[c1] انتشار الأمية والتمييز ضد المرأة[/c]بدورها تشير الأخت سناح سالم (معلمة) إلى أن معظم الفتيات في الريف يتركن المدرسة خصوصاً عند سن البلوغ وتقول إن الأسر الريفية لا ترى في تعليم الفتاة أي فائدة، خصوصاً أن مصيرها إلى الزواج، إضافة إلى أن قدوم العريس يترتب عليه إجبار الطالبة على ترك المدرسة لكي يتم تأهيلها وإعدادها لدورها بحيث تصبح قادرة على تدبير شؤون المنزل وحتى لا تتعرض للوم من أهل زوجها.وتضيف قائلة: «إن كثيراً من الأسر الريفية تجبر أبناءها الذكور على ترك المدرسة في المراحل الأولى والتفرغ للعمل في الزراعة، فما بالك بالفتيات ما دام الأولاد لا يتعلمون»، مشيرة إلى أن رغبة أولياء الأمور في تعليم الفتاة لا يكون سوى إسقاط واجب وبراءة ذمة لكي تتمكن من أداء الصلاة أضف إلى ذلك ما يعانيه الريف اليمني من انتشار الأمية والتمييز ضد المرأة.