سطور
غيب الموت عن عالمنا وساحتنا الفنية مساء الخميس 2/7/ 2013م فناناً رفيعاً وإنساناً عامراً بالغناء والحب رائد الأغنية الوطنية الأستاذ المناضل محمد مرشد ناجي بعد حياة مليئة بالحب والإيمان والتضحية والفداء والعطاء الوطني والإبداع الفني، فالمرشد الوديع سكن فيه الإنسان والفن، والنبل، والألوان الزاهية لذلك أحس بالقريب يتلمس و يراقب حركات همومه اليومية، ويتحسس سكنات معاناته الاجتماعية، ينخرط بالجميع، يترجم أحلامهم الشائكة عبر معزوفاته الحميمية، ويتلمس تلابيب البعيد لينتشله من دوامة الاغتراب وأتونها .كان المرشدي النبيل النقي الودود، يحمل بأمانة ومسئولية وشجاعة نادرة وصدق ويقين آمال وآلام وهموم قضية الشعب اليمني،فقد كرس حياته لخدمة وطنه وأبناء شعبه،فمنذ عام 1955م قدم القامة الوطنية والقيمة الفنية خلال رحلته الفنية أعمالاً جليلة وفناً راقياً بمستوى وجدان الشعب وترابه الوطني، فقد تعددت الأعمال الخالدة بثرائها ،وتنوعت إبداعاته الفنية بألوانها، منها أغانيه الوطنية والاجتماعية والعاطفية،وللأرض والإنسان و إحيائه للاغاني التراثية التي تصور عبق التاريخ وسحر المكان، بل يمكن اعتبارها سجلاً توثيقياً لمختلف المراحل التي عاشها الفنان الإنسان لصيقا بالجماهير المتطلعة لغد مشرق،ومنها مقالاته الصحفية،بالإضافة إلى إصداره العديد من المؤلفات مثل (( أغانينا الشعبية)) عام 59م ،و(الغناء اليمني القديم ومشاهيره) و(صفحات من الذكريات )، و(أغنيات وحكايات)، فقد تركت تلك الأعمال السامقة ذاكرة فنية عاقبة بالالتزام والوفاء للأرض والإنسان اليمنيين . فالمرشدي الذي ولد في 6 نوفمبر عام 1929م في مدينة عدن التاريخ ومدرسة النضال وملتقى الحضارات والتعدد العرقي والشجن العاطفي كان قادراً على تقديم صورة رائعة عن المجتمع اليمني باعتباره أقرب الأرواح إلى الجماهير لموسيقى أشواقهم السابحة في عوالم الوجدان وخيال الروح. فالموكب الجنائزي بدلالته العميقة تحول إلى تأبين احتجاجي فكانت الشوارع متشحة بالسواد ، والغضب يملأ النفوس وكم الحزن الغائر في الأعماق ألماً وحزناً على فقداننا، عملاقاً وطنياً، ومثقفا موسوعياً، ومؤرخا اجتماعياً وفنياً، وملحناً نادراً لأغاني الروح والبهجة والحياة الفنان محمد مرشد ناجي. حقا لقد اطرب الأسماع بأعذب الكلمات المتسمة بالرقة والعذوبة والنغم، وأشجى القلوب عشقاً وهياما وحبا وغزلاً، بالإضافة إلى أغانيه الوطنية التي ألهبت الوجدان ووحدت المشاعر بين أبناء الوطن، وغرست حبه في النفس اليمنية، بل كانت جزءاً حميماً من تفاصيل حياة الشعب، كما أنها صورت الجوانب المشرقة من التراث والتاريخ، ومن الأغاني التي تغنى بها الراحل المرشدي (أخي كبلوني) للشاعر لطفي جعفر أمان على لسان المناضل الفقيد عبد الله عبد الرزاق باذيب حينما خرجت الجماهير احتجاجاً على محاكمته من قبل سلطة الاستعمار والتي تقول : أخي كبلوني وغل لساني واتهموني..بأني تعاليت في عفتي ووزعت روحي على تربتي..وتخنق أنفاسهم قبضتي لأني أقدس حريتي..لذا كبلوني..أخي يا أخي أيصفعني الخوف لا يا أخي..أأحبس ناري لا يا أخي؟.أنا لطخة العار في موطني..إذا انهار عرضي ولم أصرخ..بحق الوطن بهذا القسم.أخي قد نذرت الكفاح العنيد لهذا الوطن..إلى أن أرى أصدقائي العبيد وهم طلقاء..يقولون ما مات حتى انتقم . ومن أغانيه الجميلة أغنية (أنا من ناظري عليك أغار) حيث تقول كلماتها: لك فينا الخيار في القتل والمن جميعاً وما عليك خيار..من معيري قلباً صحيحا ولو طرفة عين إن كان قلب يعار..لا الزمان الزمان فيما عهدناه قديماً ولا الديار الديار..بعض هذا يبلي الجديد ويفنى المرء لو أن عمره أعمار . وفي أغنيته الشهيرة (نشوان ) عبر عما لمسه من معاناة وهموم الشارع اليمني، فهذه الكلمات بزغت فيها أشواق السعي نحو حياة كريمة وآمنة ،للشاعر الإنسان الدكتور سلطان الصريمي التي تقول : نشوان كم في جعبتي نصائح .. وكم ورم قلبي من الفضائح..وكم شسامح لو أنا شسامح.. أوصيك لا تهرب ولا تمازح..ولا تفتجع من كثرة المرازح..شق الطريق وظهر الملامح..حتى تعارك صبحنا تصافح.. وينتهي الإرهاب والمذابح .فقد تجاوزت إسهاماته لوطنه الأم إلى محيطه الأوسع لدرجة يتماهى الشعور القومي بالإنساني، بعد ثورة يوليو 1952م وما تلتها من ثورات مختلفة، فقد تغنى الراحل الإنسان المسكون بهموم وطنه وأمته بهذه الكلمات ابتهاجاً بثورات الحرية والعدالة وبناء الإنسان.يابلادي يانداء هادرا يعصف بي..يابلادي يا ثرى جدي وٍابني وأبي.. ياكنوزا لا تساويها كنوز الذهب.. اقفزي من قمة الطود لأعلى الشهب...يابلادي كلما أبصرت شمسان الأبي .. شاهقا في كبرياء حرة لم تغلب..صحت يا للمجد في اسمي معاني الرتب..يا لصنعاء انتفاضات صدى في يثرب..يا لبغداد التي تهفو لنجوى حلب.. يا لأوراس لظى في ليبيا والمغرب..يا لأرض القدس يحمي قدسها ألف نبي..يا لنهر النيل يروي كل قلب عربي..فاملئي كأسك من فيض دمائي واشربي..يابلادي يابلاد العرب. رحم الله الراحل الجليل والإنسان النبيل فنان الأصالة المتجددة وعازف جميع الألحان العدنية والصنعانية واللحجية والحضرمية والحجرية والتهامية والبدوية، فكان وفيا لفنه،ومحبا لوطنه، وعاشقا لشعبه . وأختتم ببعض كلمات للشاعر حسن اللوزي وهو يرثي الراحل المرشدي من قصيدته (لإشراقات الإيقاظ وتنوير الوجدان) كيف تكون تباريح الأنغام..كيف تذيقك أغنية وجع الفقد..وأحزان الخسران..وكيف يكون الموت رسالة صبر وجلد !!..وشفير بلاء للإنسان؟!..ورحيلاً محفوفاً بجمال الاطمئنان..يا من عشت عطاء متصلاً بالخير..في خدمة غايات الشعب ، وصقل الروح..وتنوير الوجدان ؟!..ليكون كتابك ثراً وبهياً بالآلاء..وعطاؤك في الكف الراجح في الميزان !!.