مسواط: المرشد فناننا الأوحد بلا جدال
منصور نور:فنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي برحيله، يتسابق كل محبيه في الحديث عنه ويجمعهم قاسم مشترك هو حبهم لهذا الفنان الإنسان، ولكنني رغم تواصلي مع الأستاذ محمد مرشد ناجي إلا أنني في زحمة هذا الحزن العميق لفقدان اليمن لقامة فنية وثقافية بحجم المرشد، ارتأيت أن أعود لقراءة تلك التقدمة التي كتبها التربوي الفاضل والصحافي والقاص الكبير محمد سعيد مسواط لكتاب الأستاذ المرشد (أغانيه الشعبية) الصادر عام 1959م بعدن.. عرف المرشد للجمهور المتلقي..قائلاً:« مرشد فنان بطبعه.. فنان حين يلبس..فنان حين ينتقد.. فنان حين يتعامل..فنان حين يصادق.أما حين يغني فإنه فناننا الأوحد، لقد عرفته قبل أن يمارس التلحين، يوم كان كغيره يردد ألحاننا القديمة، حين كان ملكا لنا نحن زملاؤه شلة نادي الشباب الثقافي.. فعرفت فيه آنذاك الفنان الذي يعزف اللحن المعين و يغنيه فأحس بالنشوة التي تعادل سماعي، سماعي للحن من المطرب المصري الذي يغنيه.. كنا نشاهد الفلم الواحد فأسمع الأغنية فيه وصدقوني لم أكن اهتز لها حينذاك كما اهتز لها عندما أسمعها من مرشد مرة ثانية.إن طريقة «مرشد» في أداء اللحن شيء فريد حقاً.. وإنك لتحس بقدرته على الأداء وتحكمه في اللحن في كل مرة يغنيه فيها أقوى وأغنى من ذي قبل».كانت صحبة شلة نادي الشباب الثقافي ممتعة ومفيدة، أكثر من أنها مسلية، فلم تكن لقاءاتهم لتمضية الوقت، بل لممارسة نوع من طقوس التنوير والثقافة، منذ تأسيس النادي في 1947م في مدنية الشيخ عثمان بعدن، وحول ميلاد أول أغنية للمرشد، يقول مسواط:عايشت ميلاد أول أغنية له، « وقفة» من يوم أن تسلمها (الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة) إلى أن نفخ فيها من روحه.. سمعتها مرة ومرتين وثلاثاً وعشراً وخيل إلى أني سأمل سماعها من جراء التكرار.. ولكن هل مللت؟ أحلف لا..».الأستاذ محمد سعيد مسواط، ما كان بحاجة ليقسم قائلاً:» أحلف لا». لأنه أولاً ما كان مستمعاً عادياً ولم تكن ثقافته عادية، بل كان مثقفاً وفي داخله إنسان يحب وطنه ويحب أهله وأصدقاءه ولم تكن كتاباته أو مقالاته من الطراز الوصولي ولم يكن فيلمه نفعياً رخيصاً!! ومن خلال صحبته لشلة الشباب الثقافي كان رجلاً مستنيراً يحمل مع رفقته مشروعاً ثقافياً يخدم المجتمع كله.وبالتأكيد كان حاله مثل حال عشاق فن الأستاذ المرشد اليوم فهم لا يملون من سماع أغاني المرشد، ويضيف مسواط بقلمه ليقول:«ففي آخر مرة سمعته (المرشد) يغنيها مسجلة أحسست بأن روح هذا الفنان وقدرته على التجدد والتطوير أشياء كفيلة بأن تعطي ألحانه الخلود.سمعته يردد أداء هذا المقطع (جو غنائي سبحنا في محيط من سناه) فأحسست كما لو كنت أسمع هذا اللحن للمرة الأولى.. هل سمعت أداءه «لسبحنا» بالذات أنه يؤديه بانفعال فريد حقيقي يصور كلمات الأغنية معاني تمشي على الأرض».تنبأ الأستاذ مسواط بخلود ألحان الأستاذ المرشد قبل أكثر من نصف قرن من الزمن وكان عنده إحساس عميق ورؤية دقيقة وتشخيص عميق بأنه «لم يوجد في بلادنا بعد من يقدر على أداء هذا المعنى أو ما يماثله كما يؤديه المرشد..» ويقول مسواط وكأنه يحدثنا اليوم:«هل سمعته ينشد:( أخي قد نذرت الكفاح العنيد لهذا الوطن) إنه هنا بالذات حيث يمكن أن تعثر على مرشد في ذرى المعنى، مرشد في أوج انفعاله.. مرشد الذي لم يوجد في بلادنا بعد من يقدر على أداء هذا المعنى أو ما يماثله كما يؤديه مرشد بهذا الفهم وهذا العمق وهذه المشاعر والانفعال بالتجربة الفنية».ولهذا نأمل أن لا يأتي بعد الآن من يحاول أن يقدم أغاني الأستاذ فيشوهها ويسيء إلى تاريخ هذا الإنسان والفنان العظيم، وأن يكف البعض عن تقمص شخصية المرشدي بصورة غير مقنعة.