كلمات
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه اليوم في ضوء التطورات المتسارعة في تونس ومصر هو: هل بدأ «الربيع العربي» بالقيادة الإسلامية يدخل مرحلة الذبول؟ وهل باتت المنطقة أمام ربيع آخر بقيادات أخرى بما يكشف أن ليس للأميركيين وحلفائهم الغربيين أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، بل لهم مصالح دائمة تستخدم الجميع ولا تسمح لأحد باستخدامها؟ففي تونس، يُذكّر المشهد الشعبي الغاضب الذي واكب تشييع القائد المعارض شكري بلعيد بعد اغتياله، بالمشهد التونسي الذي واكب إحراق محمد البوعزيزي نفسه في سيدي أبو زيد قبل عامين ونيّف، وتحركات الجيش التونسي في اتجاه العاصمة تذكّر بتحركات مماثلة له عشية اضطرار الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إلى مغادرة البلاد في 14 كانون الثاني 2011، خصوصاً في ضوء تصريحات زعيم حركة “النهضة” الحاكمة الشيخ راشد الغنوشي لقناة تونسية محلية بأنه “باقٍ في العاصمة”، وانه لن يغادر تونس.وصورة رئيس الوزراء النهضوي البارز حمادي الجبالي الذي خالف قرار حركته بإعلانه استقالة حكومته وتأليف حكومة تكنوقراط تدير البلاد على عكس ما قرره رفاقه، تذكّر بمشهد أركان نظام بن علي الذين تبرّأوا منه في اللحظة الأخيرة.فهل دنت ساعة حكم النهضة الإخواني في تونس في وقت تجري زعزعة حكم “الإخوان المسلمين” في مصر، فيما يشقّ رئيس الائتلاف السوري المعارض الشيخ أحمد معاذ الخطيب عصا الطاعة لـ(الإخوان المسلمين)” السوريين بعد عامين من السيطرة على مجالس المعارضة السورية في الخارج وعلى الإئتلافات التي شُكّلت في هذه العاصمة أو تلك؟هذه الأسئلة باتت مطروحة على نطاق واسع في ظل حديث عن مراجعة أميركية لسياسات ما بعد “الربيع العربي”، والتي بدأت خصوصاً بعد اغتيال السفير الأميركي في بنغازي على يد جماعات متشددة ما كان لها أن تصل الى ما وصلت اليه من نفوذ لولا مساندة حلف “الناتو” في ليبيا. ويقول سياسيون واسعو الإطلاع أن المأزق الذي يعيشه “الإخوان المسلمون” هذه الأيام مرتبط بإنقسام متنامٍ بين حلفاء الأمس من عواصم المنطقة، فلم يبقَ لهم من سند إلاّ رجب طيب أردوغان في تركيا وحكّام قطر في الخليج. علماً أن الغنوشي و”الإخوان” كانوا قد تعرّضوا لانتقادات في صحف سعودية، فيما بقي قائد شرطة دبي الفريق ضاحي الخلفان شاهراً سيفه على “الإخوان” وتنظيمهم وخلاياهم.لكن السياسيين أنفسهم يعتقدون أن لهذا “المأزق الإخواني” أيضاً أسبابه الذاتية المرتبطة بميل جماعة “الإخوان” في هذه الدول الى الإستئثار والتفرّد وادارة الظهر لرفاقهم الذين جمعتهم بهم السجون والميادين في مراحل معارضة الأنظمة السابقة، لا بل أن بعضهم، كـ”الإخوان” في سوريا، مارس هذا النهج الإستئثاري وهو ما زال في المعارضة، وحتى قبل ان يصل الى السلطة.وعلى رغم من اعتقاد العارفين بالأوضاع التونسية مثلاً، ان لا علاقة مباشرة لحركة “النهضة” باغتيال بلعيد، فإن الاحتقان الموجود في الشارع التونسي بات يتيح، لأي طرف ثالث ينتمي الى تنظيمات متشددة او غيرها، الإصطياد في الماء العكر، ومواجهة “الاخوان” ليس من جهة القوى القومية واليسارية والعلمانية فحسب، بل من جهة اسلاميين متشددين لا ينفكّون عن التشكيك بـ”اسلامية” “الإخوان”، لا بل أن بعضهم قد اعتدى مرتين على احد مؤسسي حركة “النهضة” ونائب رئيسها الشيخ عبد الفتاح مورو واتهامه بأنه يتساهل في امور الدين.ويعتقد السياسيون انفسهم ان الموقف من الازمة السورية واستضافة تونس “مؤتمر اصدقاء سوريا” قبل عام تقريباً، قد سمح لمعارضي حكم النهضة بأن يتجرؤوا على رموزه ويشككوا بوطنيتهم ويتهمونهم بمغازلة الغرب وحتى اسرائيل. والجميع يذكر أن اولى التظاهرات المعارضة الجديّة لحكم النهضة قد حصلت امام الفندق الذي استضاف ذلك المؤتمر.ويضيف هؤلاء السياسيون ان صمود سورية التي توقع لها حكّام تونس ومصر انهياراً سريعاً قد ساهم في ارباك هذه الانظمة وفي ايجاد قضية اضافية لمعارضيها، فتلاقى رافضو التدخل الخارجي في سوريا، ومؤتمرات اصدقاء سوريا هي احد ابرز عناوينه، مع معارضي “الاخوان” من كل حدب وصوب ليشكلوا حالة شعبية ضاغطة، واحيانا متمردة، لا يمكن مواجهتها الا عبر طريقين لا ثالث لهما: إما رحيل هذه الانظمة او قيامها بمراجعة جذرية تعيد الاعتبار لمبدأ المشاركة بين الجماعات المختلفة ولمبدأ المواطنة المتساوية بين كل ابناء الشعب. السياسيون الأكثر تشاؤماً يقولون ان السيناريو المعتمد حالياً هو سيناريو الفوضى الذي بشّر به جورج بوش الأب عام 1991 بعد الحرب الأميركية الاولى على العراق وتحدث عن “فوضى خلاقة” في المنطقة، ليعود جورج بوش الإبن ليستكملها بعد الحرب الأميركية الثانية على العراق عام 2003.فهل تنجح الحكومات ومعارضاتها في كبح جماح هذه الفوضى؟ أم انها ستتحول ضحايا لها مثلما حصل مع المعارض التونسي بلعيد؟.