عندما استضافت بلاده كأس العالم 1990م ورأى بعينيه حجم الهوس وقمة الاهتمام والاستعدادات والأموال التي تصرف والحشود الإعلامية والمتابعة الشديدة لعامة الشعب الايطالي وشعوب العالم :( يبدو أن العالم أصبح يفكر بقدميه بدلا من رأسه.!!) [لا يوجد نمط فقرة]هود/ عنوان ثالث (مشاعل)خط هود (مجلة لميس)لعل أهم ما يجهله هذا الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج أن الثقافة هي آخر معقل للعرب يتخندقون فيه - كما هو مفترض وكخيار وحيد - وحين قال (البنتاغون) جهاز الأمن القومي الأمريكي عن الثروات التي خص الله بها العرب أنها (غلطة الرب) بمعنى أنهم لا يستحقونها بسبب ما أهدروا ريعها فيه وليس من أجل إعلاء الصرح الحضاري والعلمي والثقافي والإبداعي الذي شيده أسلافهم ومثله قول الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية نيكسون: (يميل كثير من الأمريكيين إلى تصور المسلمين على أنهم نمط واحد من الناس غير المتمدنين غير النظيفين المتوحشين وغير العقلانيين وعلى الغالب لا يلفت انتباهنا فيهم سوى أن بعض زعمائهم لهم الحظ السعيد في أنهم يحكمون أقاليم تحتوي في باطن أرضها على ثلثي الاحتياطات المؤكدة من النفط في العالم......”ولعل تعبير نزار قباني في قصيدة (أنا يا صديقة متعبٌ بعروبتي) موجز ومختزل . رغم هذا فأنا لا أحرض على عدم الاهتمام بالرياضة كلا ، ولكن ألا يكون هذا الاهتمام على حساب الوعي والعقل والإبداع والثقافة وتهميشها، وإهمالها أكثر مما هي عليه الآن من تهميش ..ولعل المشي بالمقلوب ظاهرة صحية في هذا العصر بدليل أن مفكر هذا الأخير (اللاعبين ) يملكون حظوة واسعة في وسائل الإعلام ولا يصل لاعب ما سن البلوغ حتى يكون قد أجرى أكثر من لقاء صحفي، واستضافته أكثر من قناة فضائية وزار أكثر من بلد كممثل رسمي لبلاده ، وهزة أو هزتان لشبكة مرمى في دوري الدرجة الثانية تجلب مالا وفيرا يعادل أضعاف ما يقبضه مؤلف أو مفكر أو مثقف من كتاب ألفه أو مقال أو رواية كتبها..؟!والأدهى من ذلك إن كان المثقف من ذوي الحظ العظيم فإنه يسلم - إذا لم تأتِ الرياح كما لا يشتهي الربان - من التشرد والضياع والملاحقة وغبن الحقوق الخاصة به ، بل وإنكاره ، كما يتم منع مؤلفه من دخول البلاد ويحرض عليه العباد، وإن كان من المحظوظين ، وهذه حالة نادرة، لم يتم حبسه أو سجنه أو رفع دعوى قضائية ضده فيتشرد وتتشرد عائلته ويُقطع رزقهُ ورزق أطفاله، ويتم تنحيته من منصبه وإيقافه من عمله ، والأمثلة على هذا كثيرة لا ينكرها نزيه ، ولا يغفل عنها إلا جاهل أو شخص خارج نطاق التغطية، فالحلاج وابن تيمية وابن رشد وابن المقفع وغيرهم في التاريخ كثير ، ولا ننسى أن الأديب والمبدع قد يضطر تجاه ما يجده في واقعهِ من ردود أفعال تعبر عن جهل المجتمع بنتاجه الى السعي لطلب اللجوء إلى دولة أخرى.وأحياناً يتم نفيه ، أو يتم تصفيته ومحوه تماماً كما حصل لصاحب كتاب (أحجار على رقعة الشطرنج) وكما حصل لسقراط وجاليليو، كما قد تصدر فتوى تكفيرية ضده، من قبل المؤسسات الدينية ويهدر دمه ، كما لا ننسى التصفية التي قد تواجه المثقف والمفكر والمبدع ( a assassination character) أي اغتيال الشخصية ، وهو مصطلح في علم النفس السياسي ويعني تصفية الشخصية ولكن ليس بالرصاص وإنما بتدبير فضيحة له أو تلبيسه قضية مخلة بالشرف والآداب ، ما يتسبب في تدمير مستقبله وموته معنوياً إلا أصحاب العزائم القوية والإرادات العظيمة ، وإلا فإن الموت أرحم للحال والأمثلة كثيرة ولعل ابن المعتز كان مختزلاً لكل هذا حين قال : ( ما يزال المرء في مندوحةٍ من العيش ما لم يصنع شعراً أو يؤلف كتاباً .....)عندما تخاف الشجرة تحتمي بالورقة .!وعندما تخاف المدينة تحتمي بالبيت .!وعندما يخاف البيت يحتمي بالباب .!وعندما يخاف الكاتب يتماهى في أنامله ..!!