الكاتبة المغربية توضح أنه ليس في قاموسها أدب نسائي وآخر ذكوري وأن الاختلاف يقتصر فقط على الجانب الفسيولوجي
(الترجمة نشاط ذاتي مثله مثل أي إبداع آخر، لها دور كبير في فتح آفاق الاطلاع على مختلف التجارب الأدبية العالمية، وما تزخر به من آفاق معرفية وجمالية).مبدعة رأت النور في مدينة بن احمد/ إقليم سطات بالمغرب. قاصة وشاعرة جمعوية لها إسهامات في أدب الطفل (أغنية ومسرح) تهوى الكاريكاتور وتمارسه ضدا على الصمت. في كتابتها نبض إنساني وكبرياء عربي متأصل.إنها مالكة عسال التي قالت إن تزامن أول الحبو في مجال الإبداع بالنسبة لي، مع إحساسي العميق بقلق الوعي وشقائه، نتيجة رفضي القوي لشراسة الواقع وسطوة عتماته، وكل ما يحول دون حرية الإنسان وكرامته؛ فكان الانبثاق الآسر للقصيدة الأولى مع أزمة فلسطين والعراق حيث يدمر الطغيان الامبريالي بآلته العسكرية الهمجية، تاريخ الإنسان العربي، ويطمس معالم مهد حضارته ومجده وأصالته.من هذه الرؤيا ولدت قصيدتها الأولى: (فلسطين) 27 أكتوبر 2003 وقصيدة (جراح) بتاريخ 30 أكتوبر أي بين القصيدتين 3 أيام.فتحت تأثير صدمة هذا الواقع، تولّد البوح متمردا على التشظي والفقدان، يرتق شرخ الذات بضمادات التوازن الهارب والمنفلت؛ حيث انبثقت شرارته الأولى، وأنا أدرك ماهية الجوهر الإنساني، وأعي جيدا ما يعيشه الإنسان من قهر، ويعانيه من وطأة الخسارات؛ فهو المصلوب على خشبة الحياة، تنهشه الحروب ويغتاله الإقصاء والتهميش والاستغلال، يتجرع مآسيه في صمت، مترنحا في رقصته كالديك المذبوح بقانون الغاب، يجثم عليه صقيع الحيرة والقلق والاغتراب ...، تفصده نصال التشييء وسكاكين التيه والتشظي.ومع انكشاف حقيقة الأشياء والعالم حولي، لبيت نداء دواخلي، مرغمة على منح وجودي، ما يستحقه من حياة، فجعلت من الألم الانساني وقودا لإبداعي الشعري والقصصي على السواء، فخلّقت عوالمي بكيمياء اللغة، وحيثما هناك لغة فهناك وعي ومواقف ورؤى.ومن أجل هذا النداء الداخلي الخفي الساكن في دمي، والطافح بكل قيم الخير والجمال والحرية والكرامة والتمرد والتجدد والإبداع، وجدت لغتي تكلمني من خلال وعيها الشعري، الذي حلق ويحلق بي في آفاق رحبة، وما يفرزه التوتر الحاد من قضايا مصيرية موجعة.وتوضح الشاعرة المغربية أنه حين يكبر السؤال، وتضيق النفس، وتتضخم الآلام، ويساورني الصمت الصاحي، أهرب إلى خلوتي الهادئة، أتسكع في مفازات نفسي، أرتاد حقول الحرف، وأنغمس في ماء الكلمة، لأصافح على ضفاف القصيدة أمل الذات الممكن، وأحلق في أمدائها لأقنص الإمكان.أما عن الترجمة فترى أنها نشاط ذاتي مثله مثل أي إبداع آخر، لها دور كبير في فتح آفاق الاطلاع على مختلف التجارب الأدبية العالمية، وما تزخر به من آفاق معرفية وجمالية. دخلت غمارها أول الأمر كأي مغامرة جديدة غير آمنة، ولكن حين نشرت بعض النصوص المترجمة واستحسنها بعض النقاد، ركبت صهوتها في تحد واختراق، متسلحة ببعض الآليات التي قد تسهم في معرفتي بها وإتقانها، من حيث مراعاة النص الأصلي وعدم تغييبه، ومن حيث دقة اختيار المعجم المناسب... ولا أقول أني وصلت، فالترجمة كأي إبداع، تنتظر مني الصقل والممارسة وسلامة الغوص. وأجزم القول إن المترجم مهما دقق، وبذل من مجهود لا بد وأن تخونه الترجمة.وفي رأي مالكة عسال أنه ليس في قاموسها البتة أدب نسائي وآخر ذكوري، فليس هناك نقد نسائي وآخر ذكوري؛ فالاختلاف يقتصر فقط على الجانب الفسيولوجي، أما الجانب النفسي وما يستتبعه من قلق وجودي وتوتر وحدوس ورغبة وغيرها، فهي قواسم مشتركة بين الطرفين، لأن القدرة على الوعي وما يختلج في النفس من توتر، وما تطمح إليه من آمال وأحلام، تتشابه عند الرجل والمرأة. والنقد نشاط ذاتي، وحين أقول ذاتيا أخص بذلك الجنسين؛ لأن العملية الإبداعية يحكمها مدى اطلاع الناقد أو الناقدة على تجارب الآخرين، وما يستوعبه كلاهما من مناهج، وما يمتلكانه من تراكم معرفي وآليات التحليل، قادرة على تمزيق أحجبة النصوص والتوغل في خباياها واقتناص فيروزها؛ وقد يحصل الفرق نتيجة تفاوت القدرات من ناقد إلى آخر، أو من ناقدة إلى أخرى، وليس من جنس لآخر، كما تريد أن ترسخه الثقافة الذكورية، وقد أفرز النقد العربي إلى جانب النقاد الذكور، ناقدات رائدات مثل زهور كرام ورشيدة بنمسعود وعالية ماء العينين وغيرهن كثيرات.وتؤكد عسال أن الرؤى منفلتة وهاربة دائما، ويظل المبدع يطاردها، للقبض عليها وتحرير ذاته من القلق والتوتر، وهذا هو السر في الإتيان بالجديد، والبحث عن الجيد، والدأب على الخلق والإبداع.وتقول: في غياب الشروط والإمكانات، أعيش كغيري من المبدعات والمبدعين، تحت وطأة ما أمله وأحلم به وأرجو تحقيقه، وصراعي في غياب الآليات والشروط لتحقيقه: إنها حالة من التشظي بين هاجس واقع مرفوض، وهاجس واقع مأمول، وبقدر ما تتناسل الهواجس بقدر ما يقع الكاتب في بؤرة من الأسرار الغامضة والمبهمة، فيتعاظم القلق والوعي، وينطلق باحثا عن الوضوح.