قراءة أولية في رواية ( شفرة آدم)
كتب/ حمادة هزاع[c1] توطئة:[/c]عاش العالم في ظل ثورات علمية متعددة، مثل الثورة الصناعية الكبرى، والثورة الذرية (تحطيم الذرة)، وثورة المعلومات والإلكترونيات، (وهو يعيش الآن أخطر هذه الثورات إنها ثورة الهندسة الوراثية مادتها الجينات والتي تحمل أهم وأخطر المعلومات الخاصة بالكائن الحي المعلومات الوراثية والتي توجه تكوينه الجيني ونموه وسير العمليات الحيوية داخله) كما يقول عبدالباسط الجمل.ولا شك أن السبب الرئيسي في ازدهار هذه الثورة وبلوغها آفاقاً علمية جديدة، قد بدأ منذ أن تحطمت وجهة النظر القديمة الثابتة عن الطبيعة، بعد أن نشر داروين كتابه (أصل الأجناس) عام 1859، وتقدم علماء البيولوجي بخطوات سريعة، واكتشاف ج. مندل حياة أخرى جديدة باكتشافه لقانون الوراثة، ووجود الجينات كان الاكتشاف الثابت الذي مكن العلم من أن يسير قدما في دراسة فعل الوراثة.وفي أوائل النصف الثاني من القرن العشرين وبالتحديد في عام 1953، توجت هذه الاجتهادات ووصلت إلى قمة ازدهارها حينما فك كل من (جيمس د. واطسون) و(فرانسيس كريك) شفرة اللولب المزدوج أو الضفيرة الخالدة، التي قادت إلى حل تركيب اؤ DNA مادة الوراثة الأساسية، والذي يلعب (دورا أساسيا في نشاط الخلية، وفيه تكمن أسرار استمرار هذا النشاط وتجدده، كما أنه مسئول عن استمرار وجود الصفات الوراثية في الخلية بعد انقسامها) كما يقول د. حسن كامل عواض.كل هذه الأحداث المهمة جعلت (كثيراً من كتاب الخيال العلمي يركزون اهتمامهم اليوم على فك طلاسم الشفرة الوراثية، كما تركز اهتمامهم أيضا على سلسلة كاملة من المشاكل في علم الوراثة).ويأتي كتاب أدب هذا النوع في مصر بدورهم؛ ليكتبوا في هذا المجال الجديد ألوانا أدبية مختلفة من قصة ورواية ومسرحية تكشف كلها عن وعيهم المبكر بتلك الثورة.[c1] صلاح معاطي.. والبحث عن الخصوصية:[/c]لم ينفصل صلاح معاطي عن نظرائه في أدب الخيال العلمي في مصر والوطن العربي، فكما شغلتهم الخلية الحية، وشغفوا بما تحمله من أسرار وخفايا، وسجلوا اهتمامهم هذا، وشغفهم ذلك، في كتاباتهم، فكتب سعد مكاوي قصة (في بطن الحوت)، وصلاح عبدالغني رواية (شجرة العائلة الأفقية)، ود. أميمة خفاجي رواية (جريمة عالم).ويكتب صلاح معاطي قصص (مغامرة وراثية) والتي تتناول إمكانية دمج الخلايا الحيوانية بخلايا الإنسان لإنتاج نوع جديد من البشر فنجد الرجل الفأر، والرجل الثور.. وهكذا، وكذلك قصة (بدرية بالخلطة السرية)، وقصة (عيون اينشتاين) التي تقوم على فكرة إنشاء بنك للجينات وإقامة مفاعل جيني على غرار المفاعل النووي الذي تفتت فيه الذرة، ويتم فيه استنساخ كل عباقرة الحرب والسياسة والعلم في العالم، وقصة (الجمجمة) التي يقيمها على أساس جراحة الأجنة ويتم فيها أخذ خلايا صحيحة من الأجنة وزرعها داخل الخلايا المريضة. وتأتي رواية (شيفرة آدم) لتكون وساطة عقد هذه القصص، ودرة تاجها.وعلى الرغم من عدم الانفصال هذا، إلا أن كاتبنا صلاح معاطي استطاع أن ينحت له طريقا خاصا، ويشكل له (شيفرة إبداعية)، نستطيع من خلال فكها أن نستدل على الجينات الوراثية التي تكمن داخل خلايا قصصه ورواياته ومسرحه.وفي اعتقادي أن الرقم السري لفك هذه الشفرة الإبداعية، هو الاتجاه الذي سلكه صلاح معاطي في كتابة أدب الخيال العلمي حتى تفرد فيه، هذا الاتجاه هو: (الاتجاه الاجتماعي في أدب الخيال العلمي)، وهو ذلك الاتجاه الذي يعنى بأثر التطور العلمي والتكنولوجي على الإنسان مادياً ومعنوياً.[c1] (شيفرة آدم).. قراءة أولية:1 - الإهداء:[/c]جاء إهداء الرواية يحمل نداء إلى كل شعوب العالم يؤكد أن التكنولوجيا نتاج بشري من حق كل البشر فلا تستأثر به دولة دون أخرى.. ( ومن تبادل أفكارنا تتقدم البشرية، ولكي تحيا آمنا دعني أعش في سلام.. فربما تكون هذه هي شيفرة آدم).ويؤخذ على الإهداء أنه يوحي بفكرة تكريس مبدأ الحقوق على الواجبات، يقول في إهدائه:(فإذا كان من حقك أن تفكر فمن حقي أنا أيضا أن أفكر.وإذا كان من حقك أن تحتفظ بسرك داخل خريطتك التدميرية.. فمن حقي أن أحتفظ بسري داخل خريطتي الجينية.الحقوق.. الحقوق، فأين الواجبات؟ نحن في عصر أصبح قرية واحدة، فأظن أننا في احتياج أكثر أن نقدم الواجبات على الحقوق، حتى ننجوا جميعاً، فكل دولة تحاول جاهدة أن يكون لها ترسانة هائلة من الأسلحة، ولا تفكر أبدا في واجباتها تجاه الدول الأخرى).[c1] 2 - فكرة الرواية:[/c](يوصف أدب الخيال العلمي غالبا بأنه (أدب أفكار)، وبميله، مثل كل الأجناس الأدبية، إلى الاعتماد على الحبكة التي تقود العمل، ولكن يتوقع الناس عند قراءة الخيال العلمي شيئا آخر أكثر من القصة الجيدة، يتوقعون غالبا وجود ما يتحدى ذكاءهم، ويدفعهم للتفكير، في تلك الأشياء خارج نطاق حياتهم اليومية) كما تقول ليزا توتلي.وتقوم فكرة الرواية على ما يعرف بـ (الذاكرة الوراثية للخلية الحية)، وهو مصطلح يستخدم لوصف مجموعة من العمليات في علم الأحياء وعلم النفس، حيث تمنح المادة الوراثية ذاكرة لتاريخ فرد أو نوع ما. ويمكن أن يدل على الشيفرة الجينية للا (DNA)، أو التغيرات في المادة الوراثية، أو الغريزة المتوارثة، أو الذاكرة العرقية في علم النفس. ويستخدم هذا المصطلح أيضاً للدلالة على إحدى طرق التنبؤ في الحاسوب.يقول الدكتور شريف أيوب شارحا ذلك، لنا ولآدم أيوب: (يجب أن تعلم أن أجسادنا مكونة من ملايين الخلايا.. الخلية الحية وحدها لديها قدرة فائقة على حفظ كم هائل من المعلومات أكثر بكثير من كل أجهزة الحاسوب التي أنتجتها البشرية حتى الآن.. تصور هذه القدرة الطبيعية على حفظ المعلومات هي التي تحافظ على الصفات الوراثية من جيل إلى جيل، ومع ذلك يمكن حفظ أي معلومات تخصنا عليها ونسخها آلاف المرات واستعادتها بسهولة عند الحاجة إليها).ويستخدم الدكتور شريف هذه الحقائق في حفظ أبحاثه السرية في خلايا آدم أيوب.[c1] 3 - اللغة الروائية:[/c]يمتلك صلاح معاطي، حسا لغويا عاليا، يصل إلى درجة أن تصبح لغته (لغة شاعرة)، حيث نجد كثيرا من الجمل الشاعرية داخل الرواية حيث الوصف الآخذ جماله وتلقائيته بالنفوس، مثل قوله:( لم تأبه الباخرة العملاقة بالأمواج الهادرة وهي تفور فورا فمرت غير عابئة لتقع في الشرك الذي لم ينصب لها ولم تكن يوما طرفا فيه، ثارت الأمواج لتتلاعب بالباخرة فصارت كالجبال.. وكأنها وجدت دمية تصرفها قليلا عن الصراع الأبدي المفروض عليها منذ الأزل..).وبهذه “اللغة الشاعرة” استطاع الكاتب أن يحقق المعادلة الصعبة وهي التحام الشكل بالمضمون، فرواية الخيال العلمي الجيدة هي التي تلتحم فيها المعلومة العلمية بالبنية الفنية بحيث تسقط الرواية وتنهار إذا نزعنا أيا منهما.ونجح الكاتب أيضا في توظيف هذه اللغة في التعبير عما يدور بداخل بطل الرواية آدم أيوب، حينما أخذ، في الفصل الأول، يقدم لنا بلغة دقيقة وصفا لمشاعره وأحاسيسه، وهو خائف يترقب، حيث تحول كل شيء حوله إلى عيون بصاصة، نتيجة شعوره بأهمية ما يحمله في أعماقه.ولكن هناك بعض الملاحظات اللغوية التي، في مجملها، لا تؤثر على الحكم السابق، منها ما يعد أخطاء إملائية، أو نحوية، أو طباعية.[c1] 4 - الشخصيات:[/c]نجح الكاتب في الرسم المناسب لشخصيات الرواية، خاصة بطل الرواية “آدم أيوب”، حيث رسمه شخصية نامية متطورة، وليست ساكنة، حيث نجده في كل فصل يكتسب أو يفقد صفة من صفاته، فبعد أن كان ينغمس في ملذات الحياة من رقص وسكر ونساء، يحس بلذة الحياة الروحية عند لجوئه إلى مسجد المرسي أبي العباس والذي قضى فيه وقتا إيمانيا خالصا، يقول: “أحس آدم في بيت الله بأمن وسكينة هدأت رغبته اللحوح الكامنة بداخله، علاوة على أنها قتلت تماما بعد أحداث الليلة.. ووجد آدم قربه من المسجد ملاذا ومأوى، يا له من عالم رائع لم يتسن له الدخول فيه من قبل، فسار طقسا من طقوسه.. ومنذ أن اعتاد الجلوس داخل مسجد المرسي أبي العباس كأن قبسا من نور أضاء ظلاما غاشيا داخل قلبه.ولكنه كان يهمل أحياناً التفريق بين الشخصيات الرئيسية والثانوية فيعطي مساحة كبيرة لشخصية ثانوية مثل أمل للحديث عن أحاسيسها ومشاعرها والظروف التي جدت على حياتها مع أنه كان يكفي للقارئ بعض السطور للتنويه عنها وعن ظروف معيشتها، في حين أنه لم يسلط الضوء بكثافة أكثر على شخصية لها أهميتها في أحداث الرواية، مثل الدكتور برهان القليوبي وعلاقته بالدكتور شريف من مثل: حياته الاجتماعية - إنجازاته العلمية التي أهلته لفك الشفرة.[c1] وفي النهاية:[/c]من الأشياء الجميلة والممتعة حقا أن تقرأ عملا فنيا رائعا، بذل فيه كاتبه مجهودا كبيرا حتى يخرجه لنا سائغا شرابه، يؤتي أُكله كل حين، ولكل قارئ في أي زمان ومكان، ولا أجد غضاضة في أن أستعير ما قاله عميد أدب الخيال العلمي نهاد شريف عن سمات أدب صلاح معاطي في الخيال العلمي، وكيف أنه يجمع ( بين قوة الفكر العلمي ومدى تأثيره وفعاليته على تقدم الإنسان، وازدياد رفاهيته. كما تعلن عن إصرار الكاتب على المضي قدما في طريق تأكيد مسيرته الجادة رغم مشاقها في مجال كتابة أدب خ. ع، مما يبعث الطمأنينة والرضا في فؤادي لاستمرارية تواجد من يتولى رسالة هذا الأدب المحتم تواجده وذيوعه بمصر والأمة العربية).