سطور
في بيني باندو يشرقُ عصفور أصفرُ وتغيمُ سماءبورود، وإذا هطلت أمطار عطّرت القرية تلو القريةفي بيني باندو الريحُ تصفّقُ في أعشاش الفجر وتصطكُّلماذا تصفعُ حقل الزيتون بلا ذنبفي بيني باندو فأس تقطعُ قوس قُزح، من فوق يتزحلقُمارُّون ببدلات زرقاء على ألسنة الريح يطيرونإلى عرق يتصببُ من شرق نزقفي بيني باندُو نعناع ونساء بيض يغسلن حبال الصوف بماء البحر وبرق الرعد، نساء تجري من تحت جدائلهنّ الأنهارُ ووديانُ النعناعفي بيني باندو خلف شفاه السهل حلمتُ بأني أذبحُ بحرا واستيقظتُ، هممتُ بذبح البحر فلم أعثُر في كُلّ الأنحاء على سكّين!..في بيني بندُو طقطقةُ الشمس وقرقرةُ النجم ونقنقةُ القمر الرثّ وتواضُعُ زقزقة النهر وقهقهةُ الريش وصفّاراتُ الإنذار الخارج للتوّ من البركان..... هنا لا شيء سوى أصوات جذلى للسان عذريّبيني باندُو تتفتّحُ تحت الفانوس المثقل بالأشجان زُهور مالحة وملائكة لغو أو يأس مبتلّ، شيء ما في قبضة ليل عال يغرقُ في ينبوع علنيّ. هل غرقت نجمةُ هذا الليل في قبضة بحر صيادُوهُ نيامفي بيني باندُو أشجارُ البلّوط وأشجارُ الفرنان وأشجارُ الفلّين وأشجارُ الزّان وأشجارُ الخرُّوب وأشجارُ الجوز وأشجارُ الغزلان ونوّارُ الدفلى والعرعار وآلافُ الأعشاب الملقاة، شفاه تلثُمُ أثداء الغابة.بيني باندو قطّ أسودُ لم أتمالك نفسي حين دعاني ففقأتُ لهُ عينا. مازال ينازعني الرؤيا حتى انزلقت من بين أصابعه قطعانُ المُوسيقى المحشوّة بالنور. وإذ يتمسحُ بالقدمين وعُكّازي أستنشق ضوءاً من عينين بلا حدقات دامعتين.أحيانا وأنا مع بيني باندُو أتسكّعُ خلف جدار في منتصف الشارع ألمحُ من فتحة نهديها نهرا يلهو.. أترنمُ من فرط خلوّ خطاها من موسيقى “الرّاب” وأسكرُ من فرط غياب الخمر الأسود بيني باندُو تغمد في صدري شهوتها كي أتقاطر من سرّتها عطشا وخطايابيني باندو تتلألأُ حاضنة أنوارا ومرايا..بيني باندُو تجلسُ متمدّدة وتُخاطبني.. ليست لُغة تلك ولكن أحلام القدّيسات توهُّجُ أرواح السمكات ستصعبُ رؤيته بيني باندُو عنقُ الأسطُورة شريانُ نبي لا أحد يدركُ غبطتها الشهباء. ولا شامات ملاءتها الرقطاءبيني باندُو سبابةُ صحراء خوذةُ بركان غامضة واضحة عالية عارية وتفُوحُ من الأرض هُمُومُ العطر تفُوحُ ولا تُشفي.. حكمة سيّدة الأسماء..بيني باندو تلهثُ خلفي، ليست خلفي لستُ أمام مفاتنها لا فوق لا تحت ألهثُ خلف غمامتها:مجنُون ! تصرُخُلكنّي مجنُون مفتون بعباءتهابيني باندو والناسُ نيام لو أيقظني نبأ لاستيقظتُ شهابا بيني باندُو !.. ساُبايعُ جنتك الأولى لتكُوني بيني باندو !.. حدّقتُ كثيرا في عينيك فصدقتُ هواي وصدّقتُ جنوني..تسألُني بيني باندُو في كلّ الأوقات لماذا في أعماق الروح مكان مهجور يتشبّثُ تسألني عمّا يُمكنُ أن يمضي قبل فوات أوان الريحوتسألُني: يا سيّد رائحة الأشياء ويا سيد قنديل العطر وسيد قنديل خلاصة ذاكرة الصحراءلا متى تبدأُ في الحنطة أرغفة لطُفُولة خبز الشعراء متى يدركُنا الحلمُ وندركُ كُوجيتو الأحلام بلا لُغة حتى الأحلامُ المطلقةُ الصامتةُ لتحيا.. تغرقُنا في عالم لا شيء الأشياء..تونس 2012