مقال افتتاحي
يؤكد كثير من الباحثين الاجتماعيين أن تركيبة المجتمع المدني تقوم على الأخلاق واحترام الفرد والجماعات وسط الرقعة الجغرافية التي يعيشون عليها، وهذا ما جسدته أوروبا والعالم الحر الذي فصل الدين عن السياسة، وصارت فئات الناس متساوية بالحقوق والواجبات وظهرت على السطح مجتمعات مدنية متحضرة تؤمن بأن دعم الجماعات والدول الأكثر فقراً هي غاية لابد من تحقيقها ولو أخذت مدة من الزمن.لقد رأت كثير من الدول الأوروبية والصناعية الكبرى ضرورة دحر الفقر والبطالة والظواهر السلبية الأخرى التي نغصت أجواء دول العالم الثالث ومن بينها اليمن، التي سجلت أعلى معدلات الفقر والبطالة وتهريب الأطفال والفساد بكل أشكاله، برغم تواجد أعداد كبيرة من المنظمات الدولية التي تقول في تقاريرها أنها تعمل وفق معايير أخلاقية في تكوين المنظمات والمؤسسات المتعلقة بمحاربة كل السلبيات الموجودة داخل الشريحة اليمنية والتي تستهدف المرأة والشباب من خلال إقامة أعداد هائلة من البرامج التأهيلية لمساعدة أكبر قدر من الناس على السير قدماً نحو خلع داء الفقر والبطالة عن المواطن اليمني، كل هذه المؤسسات والجمعيات والمنظمات التي خرجت عن جسم منظمات دولية عملت سابقاً في اليمن وجزء كبير يعمل منها الآن تشير إلى أن جملة المشاريع التي ترفعها المؤسسات والمنظمات الحقوقية العاملة في بلادنا إلى المنظمات الدولية (الأم) وخصوصاً المتعلقة بتكاليف إقامة الدورات التدريبية كلها كذب في كذب والدليل على ذلك تقاعس عدد كبير من هذه المنظمات العاملة أمريكية كانت أو كندية أو التابعة للصندوق الأوروبي عن العمل مع المنظمات الشبابية وتنفيذ برامجها الإنمائية، إذ كشف كثير من رؤساء هذه الجمعيات والملتقيات الشبابية العاملة في عدن أن معظم مشاريعهم التي قدمت لعدد من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة والصندوق الأوروبي ومنظمات إيطالية عاملة في صنعاء تم اعتمادها ولكن حين تأتي الموافقة من الدولة التي تنتمي لها المنظمة العاملة يتم التلاعب بالمبالغ المرصودة لها والمتعلقة بإقامة مثل هذه المشاريع الإنمائية.لقد أساءت بعض المنظمات العاملة في اليمن استخدام صلاحيتها المادية وفرض سياستها على كثير من المحافل التدريبية وذلك ضمن دائرة مغلقة أساسها الدولار الأمريكي الذي فرض نوعاً من الإقصاءات لبعض المؤسسات والملتقيات الشبابية في عدن ولحج والضالع والمهرة لأسباب سياسية بحتة.لقد أدرك كثير من المدربين الذين عملوا مع أكبر عدد من المنظمات الدولية أنها تمارس سياسة المثل المصري (شيل وأنا أشيل) وهكذا يبقى الخاسر هو المجتمع اليمني الذي لم يسلم من براثن من هم في الداخل ليحلو لمن في الخارج تذوقه، إذن مقومات الدولة اليمنية المدنية القبلية الحديثة ليست موجودة بقدر ما هي موضوعة في جيوب القائمين على عمل المنظمات الدولية في اليمن.