سطور
كتبت/هلا عدنانيوافق هذا الشهر ذكرى مولد احد العلماء المصريين الذين ارتفع اسمهم في القرن التاسع عشر والذين كان لهم اثر محمود في حياة العرب الثقافية، والنهضة الفكرية .رفاعة الطهطاوي..إمام البعثة المصرية إلى فرنسا وواعظها، الذي أصبح بين عشية وضحاها بوقا من أبواق هجمات التغريب والانبهار بالحضارة الغربية، أطلق عليه رائد التنوير في العصر الحديث نجد فيما كتبه من آراء جديدة تعتبر هي البذور الأولى لما يسمى بالفكر المستنير والذي كان مصدر التلقي له لما شاهده في الحياة الأوربية وما قرأه في الكتب الفرنسية.ففي 15أكتوبر1801 ولد رفاعة في مدينة طهطها وعاش بصعيد مصر ولقي عناية شديدة من والده وأخواله..سافر رفاعة الطهطاوي إلى القاهرة، وهناك التحق وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817م دراسته في الأزهر الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف، وهناك توثقت بصلته بشيخه شيخ الأزهر حسن العطار وهو من كان وراء ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة كإمام لها وواعظلطلابها، وذهب كإمام ولكنه إلى جانب كونه إمام الجيش اجتهد ودرس اللغة الفرنسية هناك وبدأ بممارسة علم الترجمة، وبعد سنوات خمس حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة (تخليص الإبريز في تلخيص باريز). ولما عاد رفاعة الطهطاوي إلى مصر ولي رئاسة الترجمة في المدرسة الطبية، وأنشأ جريدة (الوقائع المصرية)، وألف وترجم عن الفرنسية كتبا كثيرة، وأسس مدرسة الألسن وعمل ناظرها، هذا إلى جانب عشرين كتابا من ترجمته، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها.بيد أن هذه الشعلة سرعان ما خبت، مع تولي الخديوي عباس حكم مصر، فقد أغلق مدرسة الألسن وأوقف أعمال الترجمة وقصر توزيع الوقائع على كبار رجال الدولة من الأتراك، ونفى رفاعة إلى السودان سنة 1267هـ 1850م.وهكذا عبس وجه الثقافة، وعوق رفاعة عن مشروعه النهضوى الكبير، بيد أن رفاعة لم يعبس ولم يعق، فواصل المشروع في منفاه، فترجم هناك مسرحية تليماك لفنلون، وجاهد للرجوع إلى الوطن وهو الأمر الذي تيسر بعد موت الخديوى عباس وولاية سعيد باشا، وكانت أربعة أعوام من النفي قد مرت.عاد رفاعة بأنشط مما كان، فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس وعاود عمله في الترجمة (المعاصرة) ودفع مطبعة بولاق لنشر أمهات كتب التراث العربي (الأصالة).وقضى رفاعة فترة حافلة أخرى من العمل الجامع بين الأصالة والمعاصرة حتى انتكس سعيد فأغلق المدارس وفصل رفاعة عن عمله سنة 1278هـ/1861م.ويتولى الخديوى اسماعيل الحكم بعد وفاة سعيد، سنة 1280هـ/ 1863م فيعاود رفاعة العمل ويقضي العقد الأخير من عمره الحافل في نشاط مفعم بالأمل، فيشرف مرة أخرى وأخيرة على مكاتب التعليم، ويرأس إدارة الترجمة، ويصدر أول مجلة ثقافية في تاريخنا (روضة المدارس)، ويكتب في التاريخ (أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل)، وفى التربية والتعليم والتنشئة (مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية)، (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين)، وفى السيرة النبوية (نهايةالإيجاز في تاريخ ساكن الحجاز).توفي رفاعة الطهطاوي سنة 1290 هـ/1873. بعد أن كان في كل أطوار حياته معلما ومربيا بالفطرة والسليقة، بدأ حياته شيخا يتحلق حوله طلبة الأزهر، وأنهى حياته معلما للأمة، لا يرى سبيلا لتقدمها إلا بالعلم يتاح لكل الناس لا فرق فيه بين غني وفقير أو ذكر وأنثى، وبذل من نفسه ما بذل من جهد لتحقيق هذا الغرض، ووضع الكتب والمؤلفات التي تعين على ذلك.