سطور
إن رفاعة الطهطاوي جبل من الثقافة والمعرفة لم يتكرّر في عصر النهضة الحديثة.وُلد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 أكتوبر 1801، بمدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر، ونشأ في أسرة كريمة الأصل شريفة النسب، فأبوه ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت الشيخ أحمد الفرغلي، ينتهي نسبها إلى قبيلة الخزرج الأنصارية.لقي رفاعة عناية من أبيه، فحفظ القرآن الكريم، وبعد وفاة والده رجع إلى موطنه طهطا، ووجد من أخواله اهتماما كبيرا حيث كانت زاخرة بالشيوخ والعلماء فحفظ على أيديهم المتون التي كانت متداولة في هذا العصر، وقرأ عليهم شيئا من الفقه والنحو. التحق رفاعة وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817وشملت دراسته في الأزهر الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف.. وغير ذلك. والرحلة التي قام بها رفاعة الطهطاوي كانت تمثل اللقاء الأول بين الفكر الإسلامي الأصيل التقليدي والحضارة الغربية في أوج عنفوانها وقوتها عقب الثورة الفرنسية الشهيرة، فوقعت الصدمة الأولى عند هذا الرجل صاحب الثقافة الإسلامية والحضارة التي نبذت لتوها الدين وتخلصت من سلطان الكنيسة بعد الثورة المعروفة، وكانت الحسرة تملأ قلب رفاعة عندما يرى التمدن والحضارة الجديدة قوية راقية مرتفعة ويرى أن المسلمين أولى بتلك القوة من بلاد الكفر، وأن المسلمين أولى من هؤلاء الكفرة بالأخذ بأسباب الحضارة. وهذه كانت بداية الصدمة؛ لأن المسار انحرف بعد ذلك.قضى رفاعة الطّهطاوي ستّ سنوات في باريس “1826 - 1831”، قضى نصفها في دراسة التاريخ والجغرافيا والفلسفة والآداب الفرنسية،و إذاً؛ نحن أمام شابّ في الثالثة والعشرين من عمره، لا يمكن أن يكون له شأن يذكر في الثقافة المتكاملة التي عاشت فيها أمته ثلاثة عشر قرنا، ثم يختار هذا الشاب سنة 1826 م ليصحب بعثة إلى فرنسا ليكون إماما لأعضائها، كان ذكيا؟ نعم، كان محبا للعلم والأدب؛ أدب عصره وشعر عصره؟ نعم، كان قوي العزيمة؟ نعم، كان نابها بين أقرانه،أطلق عليه (رائد التنوير في العصر الحديث) نجد فيما كتبه من آراء جديدة، تعتبر هي البذور الأولى، لما يسمى (بالفكر المستنير) والذي كان مصدر التلقي له ما شاهده في الحياة الأوربية، وما قرأه من ترجمة من الكتب الفرنسية.و يقول عن (حب الوطن): فجميع ما يجب على المؤمن لأخيه المؤمن منها يجب على أعضاء الوطن، من حقوق بعضهم على بعض، لما بينهم من الأخوة الوطنية فضلا عن الأخوة الدينية. فيجب أدبا لمن يجمعهم وطن واحد، التعاون على تحسين الوطن وتكميل نظامه، فيما يخص شرف الوطن وغناه وثروته، لأن الغني إنما يتحصل من انتظام المعاملات وتحصيل المنافع العمومية، وهي تكون بين أهل الوطن على السوية، لانتفاعهم جميعا بمزية النخوة الوطنية.ويظهر تأثر الطهطاوي وإعجابه بفكرة الحرية في مجتمع الثورة الفرنسية، حيث نجده عقد لها فصلا في كتاب (المرشد الأمين للبنات والبنين) وتكلم فيه (عن الحرية والمساواة) وهما شعاران ضمن ثلاث شعارات للثورة الفرنسية.كما يظهر إعجابه بالقوانين العقلية، والشرائع الوضعية في المجتمع الفرنسي في قوله: (والقانون الذي يمشي عليه الفرنساوية الآن، ويتخذونه أساسا لسياستهم هو القانون الذي ألفة لهم ملكهم المسمى لويز الثامن عشر. ولا زال متبعا عندهم ومرضيا لهم، وفيه أمور لا ينكر ذوو العقول أنها من باب العدل... وإن كان غالب ما فيه ليس من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسول الله- - لتعرف كيف حكمت عقولهم بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد) . وتوفي رفاعة رافع الطهطاوي ( 1873 م الموافق 1290 هـ ).