مختار مقطريمحمد صالح عزاني حالة فريدة في مجال الغناء والطرب، لن تتكرر، ليس فقط بصوته العذب الرقيق، لكن أيضاً بذلك الإحساس الذائب بالكلمة والنغمة، يرق صوته لينثر ذبذبات نغمية مغسولة ببحة شجية تضيف للمعنى عمقا شعوريا يؤثر في وجدان المتلقي ويشنف الآذان بما يجليه من روعة الأنغام، كل ذلك يفعله محمد صالح عزاني بما يشبه الهمس التطريبي، فغناؤه غناء تطريبي في المقام الأول يحرك المشاعر بصوت مثقف وحساس ليس فيه فخامة الصوت التعبيري المسرحي، المفعم بالجلجلة والقوة والصخب، لكنه صوت فريد بقدرته على التأثير المباشر على القلوب لمطرب يغني بجوانحه حين يفرح وحين يتألم.وتأثير صوت العزاني على المتلقي يبدو جليا في معظم أغانيه وفي أغنية (ايش من أسرار) تبدو مقدرة العزاني على أن يؤثر بصوته الشجي وصدق الأداء على المتلقي في قفلة كل كوبليه في الأغنية حيث يتصاعد اللحن تصاعدا متدفقا إلى أن يصل إلى خاتمة مرتخية عذبة وسهلة ويتدفق صوته لكن دون تفجر أو تدفق شديد بل بقدر ما يلائم المعنى وعذوبة اللحن، فيخيل للسامع انه يأخذه معه إلى الأعلى إلى فضاء من الشجن برفق وسلاسة دون مشقة اوجهد فتتدفق مشاعر المتلقي طربا ويتصاعد الشعور اللذيذ في حالة التطريب، ثم يعود الاثنان المطرب والمتلقي من هذه الرحلة الطربية الوجدانية التي مدتها اقل من دقيقة للاسترخاء الفني الجميل وصوته يتهادى بجملة (ايش من أسرار).وحتى في أغانيه الوطنية لا يعلو صوت العزاني ولا يتشنج ولا يضج وإنما تنساب مشاعره الوطنية انسيابا جميلا واثقا من صدق مشاعر الحب للوطن والوفاء له، حتى وهو يردد نصوصا مصاغة بمفردات نارية ومعان ثورية مثل (بالنار والحديد والكفاح المجيد) و(بلادي إلى المجد هيا انهضي) فالعزاني لم يسع ليكون مطرب الثورة أو منشد الاستقلال أو حامي حمى الوطن بألحانه وأغانيه، لكنه سعى ليكون مطربا عاطفيا وفقا لإمكانات صوته الزاخر بالطرب وهذا هو الهدف الذي سعى ويسعى إليه معظم الفنانين في اليمن وخارج اليمن، وقلة قليلة جدا هم الذين اشتهروا بالغناء الوطني وحده أو بالأغنية السياسية وحدها، وصوت عبدالحليم حافظ صوت محدود المساحة لكنها زاخرة بالشجن والاحاسيس المرهفة، وبذكائه الفني نجح عبدالحليم في توظيفها ولايزال عبدالحليم إلى اليوم أفضل مطرب عربي وعقدة فنية يصعب تجاوزها على كل المطربين العرب.وفي صوت العزاني لا تتجلى مساحة صوت واسعة ولا ترددات للأنغام المتسلقة بين الجواب والقرار، لكنه صوت حلو شجي عذب النبرات، صوت (حالي) كما يقول أهل صنعاء،وبهذا الصوت المرهف وبأدائه الصادق ذوب العزاني روحه ووجدانه ومشاعره فصنع لنفسه اسما فنيا كبيرا في مجال الغناء منذ ستينيات القرن الماضي، العصر الذهبي للأغنية اليمنية في عدن، بين كبار فناني ومطربي اليمن في ذلك الحين والى اليوم،واليوم لا تجد مغنيا فعل ما فعله العزاني وتحول إلى مطرب رغم خلو الساحة من المواهب الحقيقية وذلك لان الغناء صار أسهل من شرب الماء.وبذكائه الفني انتبه العزاني إلى أهمية أن يغني من الحان غيره، وليس كما يحدث اليوم، حيث يقف الغرور مانعا بين المطرب والحان غيره من زملائه الفنانين، والفنانين الكبار أيضاً، لا عن موهبة مقتدرة في مجال التلحين، لكن لان مطرب اليوم يرى نفسه اكبر من الغير واكبر من الكبار، لكن العزاني كنموذج لمطرب الأمس بتواضعه وعشقه للفن الجميل واحترامه لجمهوره وعلى الرغم من موهبته المقتدرة في التلحين، كما تجلت في اوبريت (الراعي والراعية)، سعى بذكائه الفني ليغني من الحان غيره مثل المرشدي والمحسني والعطروش وغيرهم.رحم الله فناننا الكبير بقدر ما أسعدنا ولايزال يسعدنا، فليتذكره المسئولون من ذوي العلاقة بقدر ما أسعدهم ولايزال يسعدهم.
|
فنون
محمد صالح عزاني .. غناء الروح وطرب الوجدان!
أخبار متعلقة