سطور
كمال محمود اليمانيأخيرا وبعد سنوات من صدوره تسنى لي أن أقرأ كتاب الصحافية نادرة عبدالقدوس الموسوم ب (( ماهية نجيب .. الريادة )) ، ولقد تكرم الأخوان زهير ونصر حامد لقمان حفيدا الأستاذة ماهية نجيب لإبنتها الكبرى ، فمنحاني فرصة قراءة الكتاب بإهدائي مشكورين نسخة منه ، عقب أن جلبا عددا من النسخ من إحدى مكتبات صنعاء ، بعد أن أعيتهما الحيلة في الحصول على مبتغاهما في مكتبات عدن .والكتاب يقع في 118 صفحة من المقاس المتوسط وهو من إصدارات إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين للعام 2005م وقد تولى طباعته مركز عبادي للدراسات والنشر . قسمت الكاتبة الصحافية نادرة عبدالقدوس الكتاب إلى ثمانية فصول مسبوقة بالمقدمة وملحقة بالمراجع ، ولقد أحسنت صنعا إذ أفردت الفصلين الأول والثاني لإعطاء لمحة عامة عن تطور الوعي السياسي في عدن ، وعن نشوء الحركة النسائية فيها ، فلقد كان هذان الفصلان مدخلا إستطاعت من خلاله الكاتبة تهيئة القارىء للولوج إلى عالم ريادة الراحلة ماهية نجيب، فأنـى لقارئ في بدايات القرن الواحد والعشرين أن تأسره نضالات امرأة كان لها الريادة في إصدار أول مجلة تعنى بشئون المرأة في اليمن بل وفي عموم الجزيزة العربية إن لم يحط علميً بالظروف الإجتماعية و السياسية والفكرية التي تزامنت مع كل تلك النضالات ،إنه النصف الثاني من القرن الفارط حيث الظروف غير الظروف والأوضاع غير الأ وضاع .كانت عدن حينها مستعمرة إنجليزية وكان الجنوب مشرذما في محميات ، وكان تعليم الفتاة في دركه الأسفل ، لهذا كان انبراء الرائدة ماهية نجيب حدثا غير اعتيادي في زمانه ، كشف عن قوة شخصيتها وعمق إيمانها بقضيتها .أما الفصول الستة اللاحقة فقد خصصتها الكاتبة لتسليط الضوء على سيرة حياة الرائدة ماهية نجيب سليلة عائلة جرجرة العائلة العدنية المعروفة ، وعن تجربتها الصحافية ، وإصدارها لأول صحيفة تعنى بالشئون النسوية تحت إسم(( فتاة شمسان )) ، وعن دورها عبر الصحيفة تلك في المطالبة بتعليم الفتاة والمطالبة بحقوق المراة الإنسانية ، ثم أعقبت كل ذلك بشهادات لبعض من صديقاتها .ولقد عجبت حال انتهائي من قراءة الكتاب مما آل إليه أمر هذه الرائدة وانطواء ذكرها في تلافيف الأيام والسنين ، وكيف أن مجهوداتها ونضالاتها لم تحظ بالتكريم والتقدير والإجلال ، غير أني تذكرت حال رائد التنوير في عدن المحامي الراحل محمد علي لقمان فتوطن في نفسي يقين يشير إلى فعل متعمد لجأ إليه الرفاق بعيد وبعد الإستقلال الوطني لطمس كل مايعلي من شأن الهوية العدنية .وقد قيض الله لرائد التنوير إبنه ماهر لقمان والأستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني وغيرهما من المخلصين ، لبعث تراثه الفكري والأدبي فتمت طباعة جل أعماله ورأت النور ، وأدرك الناس قدر ومقام الشخصية العدنية اليمنية المحامي محمد علي لقمان بعد أن نفض عنها تراب النسيان .و الله قد قيض للرائدة ماهية نجيب من يلقي بعض الضوء على حياتها ونضالها وكفاحها من أجل تعليم المرأة ومنحها حريتها وحقوقها الإنسانية ، واحسب أن ماقامت به الأخت الكاتبة والصحافي نادرة عبد القدوس لم يكن بالهين لاسيما في ظل وفاة الكثيرين و ممن عايشوا الرائدة ماهية نجيب ، وفي ظل التعتيم المتعمد الذي مارسه الرفاق مرة أخرى ضدها .وأكاد أجزم أن كل نساء اليمن ، بل ونساء عدن اللواتي يعشن في المدينة نفسها التي شهدت نضالاتها ، أكاد أجزم أنهن لايعرفن شيئا عنها ، بل أنهن لم يسمعن بهذا الاسم مطلقا ، وهي التي نذرت قلمها ووقتها ومالها من أجل أن يصل التعليم إليهن ، وأن تصل إليهن حقوقهن ، وكل ذلك قبل أن يرين نور الحياة .الكتاب كان جميلا ومشوقا وحمل الكثير من المعلومات الطيبة والمفيدة على الصعيدين الموضوعي والذاتي ، وإن كان قد خلا _ لسبب لا أجد له تبريرا _ من صور قالت الكاتبة إنها قد حصلت عليها من أبن الراحلة محمد المقيم في السعودية فكتاب يوثق لشخصية عصامية كالرائدة ماهية نجيب ماكان له أن يخلو من صور لها في مواقع ومواضع أنشطتها المختلفة في الداخل والخارج . ولعل طبعة جديدة للكتاب إن قدّر به أن يصدر في طبعة جديدة أخرى، لعلها تزدان ببعض الصور .شكرا لحفيدي الراحلة زهير ونصر حامد لقمان أن منحاني فرصة قراءة الكتاب ، وشكرا للكاتبة والصحافية نادرة عبدالقدوس أن منحتنا فرصة التعرف على شخصية كان لها دور فاعل وريادي بعد أن أهال عليها الرفاق والزمن تراب النسيان. .