ولد بالصدفة في مصر وتجاوز استخدامه إعلان الإفطار والإمساك
محمد عطيفيعد مدفع الإفطار في رمضان من طقوس الشهر الكريم لدى المسلمين فيما يخص إعلان وقت دخول وخروج الصوم، وكذلك دخول الشهر ودخول الأعياد أيضا، حيث ينطلق مرحبا بدخول الشهر الكريم بسبع قذائف صوتية ليعلن دخول رمضان المبارك.وفي مكة المكرمة، التي تلقب أيضا بالعاصمة المقدسة، يتم الاحتفاظ بمدفع الإفطار في مقر خاص في إدارة المهمات والواجبات، حيث يحظى برعاية وصيانة دورية طوال فترة غيابه السنوي حتى يظهر من جديد من بداية الشهر الكريم.المدفع الذي يطل على مكة من فوق جبل أبو المدافع يستهلك 150 طلقة منذ دخول رمضان وحتى نهايته، ويشرف عليه رجال أمن مدربون وفنيون أيضا، وتتم تغذيته بقذائف صوتية ليطلق طلقة لكل من إعلان السحور والفطور واثنتان للإعلان ببدء وقت السحور.أما صيانته فتتم بوضع قضيب في نهايته قطعة من القماش مبتلة بزيت السلاح لتنظيفه من أثر الطلقة، ثم تقفل حجرة الاحتراق بعد تنظيفها لمنع دخول الأتربة أو الحشرات وتتم عمليات الصيانة بنفس الطريقة على فترات دورية خلال العام.ويصدر عن المدفع دخانه المعتاد من عملية احتراق البارود، ومع التطوير الأخير أصبح شبه آلي، فالقذيفة جاهزة وصوتية وبضغطة زر يتم الإطلاق، فيتم كل شيء بعدما كان الأمر يتم سابقا بكبس القذيفة يدويا ثم تطلق بحبل يسحب للخلف بشدة. وهو بالجملة عبارة عن دولابين كدواليب العربات.ويشغل المدفع مساحة صغيرة، حتى مع تعدد بعض المدافع في بعض الفترات السابقة في مكة، في عدد من أحيائها مثل أعالي جبل هندي والقشلة والمسفلة والفلق وغيرها.القذائف الصوتية للمدفع تسمع في كل أنحاء مكة المكرمة، ومع البث التلفزيوني أصبح يبلغ كل أنحاء العالم، حيث يعرض متزامنا مع الأذان ومتحديا لكل وسائل التقنية ومتكئا على إرثه التاريخي وعناقه الوجداني مع المسلمين في معظم البلاد العربية والإسلامية، حيث ارتبط بتقاليد رمضانية ملتصقة بالذاكرة والروحانية لهذا الشهر الكريم.[c1]تاريخ عريق[/c]وتعود قصة مدفع الإفطار في ولادتها للصدفة البحتة كما يروي المؤرخون، حيث تكاد تجمع المصادر على أن مدينة القاهرة بمصر كانت أول مدينة إسلامية أطلقت المدفع عند الغروب إيذانا بالإفطار في شهر رمضان، وذلك عندما تم إطلاق مدفع الإفطار لأول مرة- عن طريق الصدفة- عند غروب أول يوم من شهر رمضان عام 859هـ.وقد حدث ذلك عندما أهدي إلى السلطان المملوكي “خوشقدم” مدفع فأراد تجربته للتأكد من صلاحيته، فصادف إطلاقه وقت المغرب بالضبط من أول يوم في رمضان، ففرح الناس اعتقادا منهم أن هذا إشعار لهم بالإفطار وأن السلطان أطلق المدفع لتنبيههم إلى أن موعد الإفطار قد حان في هذه اللحظة، وذهبوا إلى القاضي في اليوم التالي لينقل شكرهم للسلطان، وعندما علم السلطان بسعادتهم بذلك أمر بالاستمرار في ذلك وزاد على مدفع الإفطار مدفع السحور ومدفع الإمساك، ومن ثم انتشرت الفكرة في بقية البلدان العربية.ومن الروايات الأخرى أن محمد علي الكبير والي مصر، كان يجرب مدفعا جديدا من المدافع التي استوردها من ألمانيا في إطار خططه لتحديث الجيش المصري، فانطلقت أول طلقة وقت أذان المغرب في شهر رمضان، فارتبط صوته في أذهان العامة بإفطار وسحور رمضان، وكان مكانه في قلعة “صلاح الدين الأيوبي”.وفي عهد الخديوي إسماعيل تم التفكير في وضع المدفع في مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، واستقر في جبل المقطم حيث كان يحتفل قبل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولا على عربة ذات عجلات ضخمة، ويعود بعد نهاية شهر رمضان والعيد إلى مخازن القلعة ثانية، وقد تم نقله إلى جبل المقطم بناء على طلب هيئة الآثار المصرية حفاظا على جسم القلعة.وحالياً مازال مدفع الإفطار محتفظاً بمكانة خاصة في وجدان المسلمين، وهو موجود في معظم الدول العربية، بل إنه بجانب معانقة ذكريات الكبار وطفولتهم مع رمضان، فهو يتغلغل في ذاكرة الأجيال الجديدة بنفس الروح الأصيلة بعد أن بدأت مظاهر مثل الفانوس الرمضاني والمسحراتي تأخذ طريقها للتلاشي بفعل المستجدات والتقنيات الحديثة.