قصص قصيرة
فاطمة رشاد منذ أن ولدت وفتحت عينيها رأت شمعتين منصوبتين في أحد أركان المنزل؛ كانت تسأل والدتها بإلحاح:-لماذا نصبت هاتان الشمعتان هناك؟فتجيبها بنظرة يملؤها الحزن، وظلت على هذه الحالة أعواماً طويلة لم يكن يسمح لها بلمسهما، حتى والدتها كان لا يسمح لها بذلك إلا لتنظيف وترتيب ما حولهما فتأتي مع ابنتها لتشعلا الشمعتين بنفسيهما.ذات يوم حبتْ إليهما وهما مشتعلتان مدت يدها إليهما احترقت.. بكت حملتها والدتها وراحت تحذرها:-لا تقتربي منهما مرة أخرى.نبذ في يدها جرح تلك الشمعتين.كبرت وهي تراقبهما؛ حاولت الاقتراب منهما احترقت بنيرانهما، بكت، صمتت، كانت الشمعتان يوماً بعد يوم تزدادان لهباً وهي تزداد عناداً وتكبراً مع كل لهب.في ليلة ظلماء رأت والدها يطالع الصحيفة وشمعته مشتعلة أمامه، تقدمت منه والخوف يمتلكها؛ طلبت منه أن يمنحها شمعته لكي تضيء حجرتها المظلمة؛ نهرها؛ أوقعها أرضاً لم تبك ولم تيأس، بل سارت إلى أخيها؛ كان هو الآخر عاكفاً أمام شمعته؛ طلبت منه أن يعيرها إياها لتستأنس بضوئها لبعض الوقت؛ ضحك بسخرية وقال:-البنت لا شمع لها ..لا نور ...اذهبي إلى حجرتك فالظلام مكانك.ذرفت دمعة متجمدة وانصرفت وهي تحدق في وجه والدتها الحزين؛ كانت تقف عند باب الحجرة المظلمة ممسكة بشمعتها المنطفئة؛ أمسكت بيدها وهي تقول لها:-هيا يا أماه أشعلي شمعتك حاولي إشعالها لكي أستطيع أنا إشعال شمعتي.أشاحت بوجهها وهي تذرف الدموع مدَت لها أعواد الثقاب وهي تشير إلى شمعتها المنطفئة:-أعطني شمعتك لأشعلها أنا بدلاً عنك.بكت وهي تقول لها:-لا يا بنيِّتي لا يحق لنا أن نشعل شموعنا؛ الرجال فقط من يحق لهم هذا.صرخت باكية:-ولكن يا أماه الظلمة تكاد تقتلني؛ أشعلي شمعتك، هيا ألا يحق لنا أن نعيش مثلهم في النور؟!قبضت على يدها ورمت بأعواد الثقاب من يدها وهي تنهار على قدميها في الأرض، بكت بشدة؛ كانت تسألها بقلق:-ماذا حدث لك يا أماه؟.أجابتها وهي تمسك بيدها:-لا تحاولي إشعال شمعتك مرة أخرى.أجابتها محتجة:-ولكنني لا أرى شيئاً!.- ابقي هكذا لا ترين شيئاً.-لماذا أظل عمياء؟ لماذا أعيش في حجرة مظلمة؟.شدتها من معصمها إلى الحجرة بعدما رأتهما قادمين نحوهما يحملان شمعتهما.أضاءا مكانهما جلسا بنورهما وظلتا في الظلمة ترسمان لوحة لأم وابنتها تحترقان بلهب يتسرب من وراء الشموع.