بحضور سعادة القنصل المصري بعدن
كتب/ مختار مقطري :برعاية الأخ د. عبدالله عوبل منذوق وزير الثقافة، والأخ م. وحيد علي رشيد محافظ عدن وبالتنسيق مع قنصلية جمهورية مصر العربية بعدن، نظم مكتب الثقافة بعدن، مساء الخميس الماضي الموافق 2012/6/28م في قاعة (الغدير) بفندق (ميركيور) بخورمكسر، فعالية ثقافية وفنية للاحتفاء بالموسيقار الكبير الراحل سيد مكاوي، وتكريم الفنان اليمني الكبير عبدالكريم توفيق، وكان في مقدمة الحضور سعادة القنصل المصري بعدن حداد عبدالتواب، والفنان الجميل رامي نبيه مدير عام مكتب الثقافة بعدن، ونائبه حافظ مصطفى الذي أدار الفعالية باقتدار، وهدى أبلان الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وقد حضر عدد من موظفي القنصلية المصرية بعدن وجمهور غفير من الفنانين والشعراء والأدباء والإعلاميين والمهتمين.وكان حفلاً رائعاً بكل مقاييس تنظيم فعالية ثقافية وفنية ناجحة، برقيها المتواضع، وألق حيويتها المتدفقة، في جو بهيج من المحبة المتبادلة التي يرسخها الإبداع ويحفظها المبدعون في قلوب الأشقاء في مصر واليمن عموماً والقاهرة وعدن خاصة، ومن ينكر ما لمصر من فضل كبير على كل البلاد العربية بما قدمه مبدعوها وفنانوها الكبار من إسهامات ثقافية وفنية رائدة وحديثة بكل مجالات الفكر والثقافة والأدب والموسيقى والغناء والفن عموما؟ لتغدو (قاهرة المعز) ولا تزال عاصمة الثقافة العربية، ومصر هي قلعة العرب الثقافية، ولم يكن الجيش المصري وحده الذي دافع عن الثورة اليمنية فقد سبقته منارة الفكر الحر ومشاعل التنوير التي حملها مبدعو مصر فأججت في نفوس اليمنيين والعرب مشاعر الخلاص وقيم النهوض والتحرر، وكانت عدن قد سبقت إلى فتح قلبها وذراعيها لاستقبال واحتضان الإشعاعات الفكرية والثقافية والفنية التنويرية والتحررية الوافدة من القاهرة إليها وإلى كل المدن العربية منذ نهاية العشرينيات من القرن الماضي بفضل ما بدأت تشهده عدن منذ ذلك الحين من نهوض للمسرح وتأسيس لشركات الاسطوانات وانتشار الأجهزة الراديو و (الجرامفون) وإنشاء السينما والصحافة.وتأسيس الندوات الموسيقية وتأسيس إذاعة عدن عام 1954م وتلفزيون عدن عام 1964م وكان لمصر دور كبير وإسهام كبير في هذا النهوض الثقافي والفني توجته هذه الفعالية الرائعة للاحتفاء بعلمين كبيرين ورائدين هما سيد مكاوي وعبد الكريم توفيق.وقد بدأ الحديث عن سيد مكاوي سعادة القنصل المصري حداد عبد التواب الجوهري وقد أدهشني إلمامه الواسع بسيد مكاوي الإنسان والفنان وأدهشني أكثر أن يتحدث سياسي أو مسؤول عن مبدع فما أبدع الساسة والمسؤولين عن المبدعين وما أدهشني أكثر وأكثر أن يتحدث الجوهري عن سيد مكاوي وأن يحرص على أن يتحدث عن سيد مكاوي بكل ذلك الحب وبكل ذلك التواضع للمبدع الكبير و بكل ذلك التأدب المثقف والاعتراف بفضل المبدعين.وفي حديثه عن سيد مكاوي قدم الجوهري قراءة مفصلة باقتضاب رائع ومترابط عن السيرة الذاتية والفنية والمشوار الإبداعي الطويل والحافل بالمعاناة والعطاء للموسيقار الراحل سيد مكاوي ، متتبعاً كل منعطف في السيرة الذاتية والفنية في حياته ومشواره الفني الكبير ، منذ تفتق موهبة الطفل الكفيف المولود لأسرة بسيطة عام 1928م بحي الناصرية أحد أحياء حي السيدة زينب الشعبي العريق ولكف بصره دفعت به الأسرة للتعليم الديني بتحفيظه القرآن الكريم فكان يقرأ القرآن ويؤذن في مسجد ( أبو طبل) ومسجد ( الحنفي) بحي الناصرية، ونشأته الدينية المبكرة هذه كما أشار الجوهري ساعدته على أن ينهل تراث الإنشاد الديني أحد مكونات موهبته الكبيرة متمتعاً بذاكرة موسيقية جبارة ساعدته على الحفظ السريع وكان للدور الكبير لوالدته إسهام كبير في تنمية وإثراء موهبته الفنية، فعلى الرغم من بساطة الأسرة، حرصت والدته على أن تشتري له الأسطوانات من بائعي (الروبابيكيا) بثمن زهيد إرواءً لتعطشه الدائم للموسيقى الشرقية. وحرص الجوهري على تتبع سيرته الفنية حتى وصوله للإذاعة وتلحينه لكبار المطربين والمطربات وإسهاماته في الأوبريت والمسرح ولقائه بأم كلثوم في أغنية (يا مسهرني) وتفرده في السنوات الأخيرة من عمره في ساحة الغناء والتلحين في الوطن العربي. فشكراً للأستاذ الجوهري، والمعذرة للاجتزاء المختصر لقراءته الرائعة في السيرة الذاتية والفنية لسيد مكاوي، على أنها قراءة لا غنى عنها لكل باحث ومؤرخ للحركة الفنية في مصر خلال النصف الثاني من القرن الماضي.وفي ختام حديثه قدم حداد عبدالتواب الجوهري، القنصل المصري بعدن تهانيه للفنان اليمني الكبير عبدالكريم توفيق بمناسبة تكريمه من قبل مكتب الثقافة بعدن، ممثلاً بمديره العام الفنان رامي نبيه، شاكراً كل الحضور وكل المسؤولين الذين أسهموا في رعاية وإنجاح هذه الفعالية الثقافية والفنية الرائعة.وقال الفنان جابر علي أحمد إن الاحتفاء بفن سيد مكاوي يعكس حالة من التفاعل الموسيقي بين مصر واليمن لها جذور تاريخية، ففي النقوش السبئية عثر على نقش لآلة موسيقية فرعونية، وقد أوضح مؤرخ أن هناك علاقة بين العود السبئي والحضارة الفرعونية، وأثناء الاحتلال الأيوبي لليمن قدم إلى اليمن ابن سناء الملك، وهو مصري، فظهر تأثيره على الموشح وهو صاحب الموشح اليمني المعروف (يا مكحل عيوني بالسهر) وكان له تأثير على المتصوفة في زبيد، وهذه دلالة على عمق العلاقة بين الموسيقيين المصريين والعرب.وأشار إلى أن سيد مكاوي يلتقي بسيد درويش من حيث تأثرهما بالإنشاد الديني وهدفهما المشترك للتخلص من تأثير الموسيقى التركية، وهو امتداد لسلامة حجازي من حيث إسهامهما في مجل الأوبريت والمسرح، مختتماً حديثه بالقول إن لكل عربي الحق في الوقوف أمام سيد مكاوي بكل إعجاب واحترام لدوره في صقل الذائقة الموسيقية العربية.وتحدث سهل بن إسحاق مدير عام معهد جميل غانم للموسيقى والفنون بعدن مضيفاً معلومات قيمة عن سيد مكاوي أن أول أغنيتين سجلهما للإذاعة لم تكونا من تلحينه، وأن لقب (شيخ) كان يمنح لكل من يحافظ على الموسيقى الشرقية وكان سيد مكاوي آخر شيوخ الغناء والتلحين في الوطن العربي، مضيفاً أن سيد مكاوي هو أول من وضع المقدمات الموسيقية للمسلسلات الإذاعية وقد فعل ذلك أولاً في إذاعة (صوت العرب).وكنت أحد المشاركين في الندوة، فقرأت فقرات من مقال طويل عن سيد مكاوي سبق نشره في صحيفة (14أكتوبر) الغراء لكني ولضيق الوقت لم أتمكن من قراءة ورقة أخرى عن عبدالكريم توفيق، سأحرص على نشرها قريباً.وفي الغناء غنى أولاً الفنان إيهاب خليل أغنية (ليلة امبارح ما جانيش نوم) وقد تألق إيهاب وغنى بانسجام وبمقدرة كبيرة على التطريب، وإحساس جميل باللحن والكلمات ووضوح في مخارج الألفاظ والحروف، ثم غنت الموهبة الشابة الصاعدة بقوة هدى هاشم أغنية (أوقاتي بتحلو معاك) وهدى صوت قوي ومعبر وثقة بموهبتها في الغناء التطريبي، ثم غنت المطربة القديرة أمل كعدل، وآه من أمل إذا غنت، وإذا غنت لأم مكلثوم تحديداً، أمل غنت رائعة أحمد رامي وسيد مكاوي وأم كلثوم أغنية (يا مسهرني).وفي تدشين مراسيم تكريم الفنان الكبير عبدالكريم توفيق، نقل الفنان رامي نبيه مدير عام مكتب الثقافة بعدن إلى الحضور تحيات وتقدير الأخ د. عبدالله عوبل منذوق، وزير الثقافة، وإلى الفنان عبدالكريم توفيق مشيراً إلى أن وزير الثقافة أسهم ولا يزال يسهم في إعادة الروح الثقافية والفنية لمدينة عدن ولكل مدينة يمنية، وقد شارك في تسليم درع التكريم للفنان الكبير عبدالكريم توفيق كل من الإخوة حداد عبدالتواب الجوهري، رامي نبيه، هدى أبلان وأمل كعدل وإيهاب خليل وهدى هاشم وكانت السعادة واضحة على وجه فناننا الحبيب عبدالكريم توفيق، وهكذا ينبغي أن يبدو فنانونا الكبار، ولكن هذا لن يتحقق إلا أذا كرمناهم وأكرمناهم.الجدير ذكره أن الفعالية أقيمت برعاية خاصة من البنك الأهلي اليمني فرع عدن وياله من حدث عظيم. ألف مبارك من قلبي للفنان الكبير عبدالكريم توفيق.