معترك حاسم في الحرب ضد (القاعدة)
حذر باحثون وأكاديميون يمنيون متخصصون في دراسة الظواهر الاجتماعية والسلوكية من إمكانية استعادة تنظيم القاعدة حضوره في أوساط المجتمعات المحلية في أبين وعدد من المدن المجاورة بالرغم من الانحسار الطارئ لمناطق نفوذه جراء خسارته للحرب .واعتبر الأكاديمي اليمني المتخصص في دراسة تاريخ الحركات الأصولية عبدالرحمن علي مطهر في تصريح لـ”الخليج” أن تجفيف منابع التطرف وتقويض البيئة القبلية الحاضنة التي تمكن تنظيم القاعدة من استحداثها في عدد من المناطق التي هيمن مقاتلوه عليها لأشهر طويلة يمثل التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة اليمنية لكسب المعترك الراهن والمصيري ضد تنظيم القاعدة .وأشار مطهر إلى أن النصر العسكري الذي حققته قوات الجيش وفرق اللجان الشعبية وتمكنها من دحر مقاتلي القاعدة في كافة المدن التي كانت تحت سيطرة التنظيم في أبين، لا يعني انتهاء تهديدات تنظيم القاعدة، كون الحرب لا تزال قائمة وتحتاج أدوات مواجهة مغايرة تتجاوز الصواريخ والدبابات والضربات الجوية، إلى البدء بتنفيذ استراتيجية حكومية تهدف إلى تجفيف منابع التطرف التي أوجدها مقاتلو القاعدة في أبين .وقال مطهر: “ما حدث في أبين من نصر للجيش واندحار لفلول تنظيم القاعدة قبل أيام ليس سابقة، لقد حدث ذات السيناريو في العام 2005 حيث تم الإعلان رسمياً عن تطهير البلاد من وجود تنظيم القاعدة، لكن التنظيم عاود الظهور مرة أخرى بعد اقل من عام وأسس إمارة إقليمية مكونة من ائتلاف ناشطيه في كل من اليمن والسعودية” .واعتبر أن “مكافحة القاعدة كتنظيم أصولي يتبني فكراً متطرفاً يجب ألا تنحصر في مجرد التعويل على الحسم العسكري لأن هذا الحسم لن يتحقق بكسب الجيش لمعركة فالحرب لا تزال مستمرة وممتدة، ويجب أن تتجه جهود الحكومة واهتمامها إلى مكافحة منابع التطرف عبر تكثيف حملات التوعية الدينية المرتكزة على مبدأ الوسطية بالتزامن مع تنفيذ خطط قصيرة ومتوسطة المدى لتحسين الظروف المعيشية في المجتمعات المحلية بأبين وشبوة ومأرب وغيرها من المدن المجاورة .من جهته، حذر الباحث المتخصص في دراسة ظاهرة تنظيم القاعدة بأبين عثمان علي عبدالله باتيس من مغبة التجاهل الحكومي للتأثيرات النفسية والدينية التي خلفها الحضور القسري لتنظيم القاعدة على المجتمعات المحلية في كل من “لودر وزنجبار وجعار” .ولفت في تصريح لـ”الخليج” إلى أن تنظيم القاعدة نجح في استقطاب الكثير من شباب القبائل للانخراط في صفوف مقاتليه وأن العديد من هؤلاء التحق بالقاعدة بدوافع التأثر بفكر وأيديولوجية التنظيم الذي حاول إنشاء إمارات وروج خلال فترة سيطرته المطلقة للمدن التي استحوذ عليها لأدبيات وقيم تتواءم وأيديولوجيته المنحرفة .ولفت الباحث باتيس إلى أن ثمة شرائح اجتماعية في أبين تأثرت بفكر تنظيم القاعدة وأن بعض المجتمعات المحلية استطاع التنظيم تحويلها إلى حاضنة قبلية له جراء مبادرته بتقديم خدمات اجتماعية ميسرة، كإمدادات الكهرباء وإسقاط رسوم الاستهلاك للكهرباء والمياه، إلى جانب توزيع الوقود بمختلف مشتقاته وإعانات مالية لبعض المعوزين، وهو ما عزز من شعبية التنظيم في مثل هذه المجتمعات التي تعاني في مجملها حالة من الحرمان المزمن للحد الأدنى من الخدمات التي كان يفترض بالدولة توفيرها لسكانها .من ناحيته، أشار الأكاديمي المتخصص في دراسة الظواهر الاجتماعية بجامعة تعز الدكتور حسان عبدالودود المقري إلى أن كسب الرهان في الحرب المحتدمة بين الحكومة اليمنية وتنظيم القاعدة لا يمكن قياسه بتحقيق النصر العسكري وطرد مقاتلي التنظيم من مدينة كأبين وملاحقة فلوله في مدن مجاورة كشبوة ولحج وحضرموت، وإنما بمدى قدرة الحكومة على توظيف أدوات الإرشاد الديني المعتدل والمناهض للتطرف والغلو بشكل مؤثر في أوساط المجتمعات المحلية في المدن والقرى التي سيطر عليها مقاتلو القاعدة إلى جانب تحسين الظروف المعيشية لسكان هذه المجتمعات وغيرها من المجتمعات القبلية المجاورة وتوفير فرص عمل للشباب والمكافحة الجادة للفقر الذي يمثل البيئة الخصبة لاستقطاب القاعدة وانتشارها كفكر مؤثر في أوساط مثل هذه المجتمعات البسيطة والمحرومة .ونوه الدكتور المقري بأهمية مبادرة الحكومة اليمنية بالتعاطي مع مظاهر المساندة الشعبية التي عبر عنها التلاحم بين الجيش وفرق اللجان الشعبية الممثلة للمجتمعات المحلية بأبين باعتبارها فرصة سانحة لإعادة صياغة علاقة الدولة بالقبيلة وفق أسس مغايرة ترتكز على تنمية الشعور بالمواطنة وبناء روابط أكثر وداً بين القبائل والسلطات المحلية الممثلة للدولة بعيداً عن ممارسات الاستعلاء والتسلط التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية .[c1]المصدر : الخليج الإمارات[/c]