غالب حيدرالنهاري لعل أنشطة التثقيف الصحي القائم على مهارات التواصل الفعال في المجتمع تمكن الناس أكثر من اكتساب المعلومات والمهارات اللازمة للحفاظ على صحتهم وتحسين نمط سلوكهم ونوعية حياتهم وذلك من خلال تزويدهم بالمعلومات والمفاهيم الصحية التي يحتاجون إليها في سبيل مساعدتهم على معرفة الأسباب والدوافع الكامنة حول مرضهم وتدهور صحتهم وبالتالي مساعدتهم على معرفة الطرق التي يتمكنون من خلالها وقاية أنفسهم من مخاطر التعرض لمختلف أنواع الإصابات والأمراض التي تصيبهم وتهدد حياتهم ومساعدتهم في ذات الوقت على اتخاذ كافة القرارات والمواقف الحكيمة إزاءها وتنمية شعورهم وإحساسهم بمسئولية الحفاظ على صحتهم وذلك باعتبار أن أغلب أنشطة التثقيف الصحي في المجتمع تعتمد في خطواتها السير نحو تحقيق بلوغ هدف تغليب مبدأ الوقاية من الأمراض قبل وقوعها وتعتبر كذلك حجر الزاوية والطريق الأمثل لمعالجة الكثير من المشكلات الصحية ومواجهة تحدياتها وتداعياتها المتعثرة وتأثيراتها السلبية وأضرارها الوخيمة على السكان وذلك نظرا لكونها تقوم على أساس إحداث التغيير الذي يستهدف السلوك البشري الذي كان سببا في بذر جذورها وتكرار حدوثها حيث أن أغلب الأمراض التي تصيبهم مرارا وتكرارا عادة ما تكون ذات منشأ سلوكي ولطالما لعبت سلوكيات الناس أنفسهم دورا رئيسيا في تهيئة وتشكيل المناخات والظروف الملائمة والمناسبة للكثير من مسبباتها وإيجاد مصادر العدوى والانتشار للعديد من التفشيات الوبائية والجائحات الإمراضية في أوساطهم. وبدون توعيتهم حولها فإنهم حتما سيقعون فريسة لها وعرضة لأوبئتها ومخاطرها الصحية ومثالا على أوبئة الحميات الفيروسية المنقولة بواسطة بعض أنواع البعوض حمى الضنك التي اجتاحت العديد من المدن والقرى الواقعة على امتداد مناطق سهل تهامة بطوله وعرضه وعددا من قرى بعض المحافظات الأخرى وتسببت في إصابة الكثير من السكان ووفاة العديد من بين أولئك الذين أصيبوا بها. ولكن من المثير للتساؤل والاستغراب هو أن بعض مسئولي قيادات القطاع الصحي لا يراهنون كثيرا على أهمية الدور الذى قد يلعبه التثقيف الصحي في تحقيق بلوغ الأهداف والغايات الصحية التي يسعون إلى تحقيقها من خلال تنفيذهم لبعض الأنشطة الصحية الموكلة إليهم في المجتمع وهذا شأن يعنيهم غير أن الذي يهمنا في هذا الشأن ويشغل تفكيرنا هو أن يظل هذا النشاط وبالرغم من أهميته البالغة فى المجتمع بدون تفعيل على الساحة اليمنية وشبه غائب أو شبه مشلول إن جاز التعبير أو أن تستمر أنشطته في السير على هذا النحو الذي يجعلنا نتخيل أننا نعيش وكأننا كما لو كنا في بلد قد بلغ فيه حال الوضع الصحي للسكان وكذا معه حال الإصحاح البيئي أعلى درجاته ومستوياته الصحية أوكأننا نعيش كما لوكنا في مجتمع قد ارتقى فيه حال أفراده إلى أعلى درجة من مستويات المعرفة الصحية أو السلوك الصحي السليم في حياتهم اليومية. ولكننا على الأرجح ندرك في حقيقة الأمر أن حال الوضع الصحي ومعه حال الوعي الصحي والمستوى المعرفي والسلوكي للسكان في مجتمعنا اليمنى لازال في أغلبه دون المستوى المرغوب الوصول إليه بالرغم من كل الجهود التي تبذلها الدولة المباركة ممثلة بوزارة الصحة العامة والسكان في إطار خطط إستراتيجيتها العامة . ولعل أهم المشكلات الصحية وأسوأها حدة وخطرا وتفاقما في الأعراض والمضاعفات وأكثرها انتشارا بين السكان من حيث علاقتها بالسلوك البشرى من الناحية الصحية وبالأخص سكان مناطق سهل تهامة الأمراض المنقولة بواسطة بعض أنواع البعوض كالملاريا وأمراض الحميات الفيروسية والأمراض المرتبطة بالسلوك الإنجابي وقضايا الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة كسوء العناية التوليدية وعدم الاهتمام برعاية النساء الحوامل والكشف الدوري لهن أثناء الحمل وآثار الزواج المبكر وغيرها بالإضافة أيضا إلى الأمراض المرتبطة بالسلوك البشرى ذي الصلة الوثيقة بالبيئة وعوامل التلوث وما يترتب عليه من انعدام للنظافة وعدم التقيد بشروط الصحة العامة والإصحاح البيئي ومن أمثلتها أمراض الإسهالات وأمراض الديدان المعوية والتسممات الغذائية وبعض أمراض العيون والجلد والتهابات الجهاز التنفسي بالإضافة إلى العديد من المشكلات الصحية المرتبطة ببعض الشائعات والمعتقدات ذات الموروث الشعبي أو المجتمعي أو الثقافي المتجذر او المتأصل في المجتمع ولعلها من أخطر المواضيع التي يتم التعاطي مع الناس حولها عبر أنشطة التثقيف الصحي في المجتمع .وعموما فإن جميع الأمراض التي تنجم عن حدوث المشكلات الصحية المرتبطة بالسلوك لا ينبغي التعامل أو التعاطي معها على أساس أنها عبارة عن حالات طارئة فقط وخاصة حين حدوثها على هيئة جائحة أو وباء في أي منطقة، كما أنه لا ينبغي حين حدوثها الاكتفاء بالسير في معالجة المصابين أو اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير الصحية أو الوقائية الوقتية الأخرى بشأنها فحسب كإجراء عملية التضبيب بالمبيدات الخاصة بمكافحة البعوض أو بتوزيع الناموسيات على المواطنين وإنما ينبغي علينا جميعا في القطاع الصحي أفرادا وجماعات التعاطي مع الناس بشأنها باهتمام بالغ والعمل على نشر المعلومات والمفاهيم الصحية بينهم وتعريفهم بعلاقة سلوكهم بحدوثها وذلك عبر أنشطة التثقيف الصحي وبدون ذلك لا سمح الله فإن حال الوضع الصحي للسكان سيظل كما هو عليه وكما لا نتمنى له أن يكون في تدهور و انحطاط دائم ومستمر طالما استمر الناس على جهلهم بأضرار سلوكهم وعلاقته بحدوث مشكلاتهم الصحية وتأثيراته السلبية على صحتهم وتكدير صفو حياتهم ناهيك عن قصور معرفتهم وغياب وعيهم بما يتوجب عليهم فعله إزاء صحتهم والحفاظ عليها. فلو أدرك الناس مثلا أهمية استخدام الناموسيات المشبعة بالمبيد أثناء النوم كوسيلة فاعلة للوقاية من لدغ البعوض الناقل لمرض الملاريا أو غيره من الأمراض الأخرى التي ينقلها إليهم لفعلوا ذلك دون هوادة أو تردد ولو أدرك الناس مثلا المخاطر والأضرار الصحية التي قد تهدد حياة المرأة خلال الحمل أو الولادة لماترددوا إطلاقا في استخدام وسائل تنظيم الأسرة لزوجاتهم ولما استهانوا إطلاقا بضرورة اصطحابهن إلى المرافق الصحية خلال هاتين الفترتين لإجراء الكشف الدوري لهن وكذلك هو الحال فيما يتعلق بتحصين الأطفال فإذا لم يدرك الناس أيضا أهمية هذا التحصين لأطفالهم لركنوا إذا إلى الكثير من الشائعات والخرافات المغلوطة حوله ولعزفوا عن تحصينهم وعلى سبيل المثال أيضا ياترى ما الذي يمكن أن يتحقق أو يستفاد من عملية التضبيب التي تجرى في العديد من المناطق والقرى بهدف مكافحة البعوض البالغ في حين أن الآلاف من مختلف أنواع يرقاته المائية قد أنهت دورة حياتها بجميع أطوارها في منازل الأهالي دون علمهم بأمر وجودها لديهم في أوعية وأواني خزن أو حفظ المياه المكشوفة في منازلهم أو بالقرب منها في إحدى بؤر التوالد الأخرى كالمستنقعات أو إطارات السيارات وغيرها من مصادر المياه المكشوفة والمتعددة من حولهم وأصبحت في وضع يمكنها من الطيران والتحليق في وسطهم المجتمعي ونقل المرض إليهم متى أصبحت معدية بطفيلي الملاريا أو بمسببات الإصابة بأحد أنواع أمراض الحميات الفيروسية وأوبئتها المختلفة كوباء حمى الضنك وغيره من الأوبئة المنقولة بواسطتها فهل تراهم على علم مسبق بأن ذلك البعوض قد توالد ونما وتكاثر في منازلهم برعايتهم وصنيع سلوكهم ؟. لكن وللأسف الشديد فبالرغم من كل ماورد في سياق هذا الموضوع حول أهمية التثقيف الصحي إلا أن أنشطته قد آل بها الحال إلى التلاشى والتهميش نوعا ما نظرا لتجاهلها وعدم الأخذ بأهميتها من قبل بعض مسئولي قيادات القطاع الصحي حتى أنها صارت كالهشيم تذروه الرياح وأصبحت تبدو كالمظلة التي لا تستخدم تحت الشمس ولا تحت المطر بالرغم من قناعة صاحبها بأهميتها وبضرورة استخدامها في كلتا الحالتين.لذا فإنه يتوجب علينا جميعا في القطاع الصحي أن ندرك أن حاجة الناس إلى نشاط التثقيف الصحي في أوساطهم تحتم علينا أن نجعله يحتل مركز الصدارة في أجندة منظومة تقديم الأنشطة الصحية وخدماتها العامة بل وفى مقدمة وأهم الأولويات التي ينبغي أن تحظى بالرعاية والاهتمام من حيث الدعم والعناية والتفعيل خاصة وأن مختلف أنشطته الصحية في المجتمع تقوم في أغلبها على أساس تحقيق أهداف نبيلة وغايات سامية ولعل أهمها تكمن في إحداث التغيير الذي يستهدف المجتمع نحو حياة صحية أفضل وبيئة سليمة ووطن بدون أخطار صحية ولعل ذلك من شأنه أن يسهم كذلك في تقليص الجهد العام ورفد الاقتصاد الوطني للدولة وبالتالي تحسين نوعية الحياة لكافة أبناء الوطن الغالي وذلك هو جوهر الأمر. قال تعالى«فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال» صدق الله العظيم .[c1]*التثقيف والإعلام الصحي- الحديدة[/c]
التــثقيف الصحي و أهميته في المجتمع
أخبار متعلقة