الباحث البريطاني جون بولودري
نجمي عبدالمجيدلا تغفل الدراسات الغربية صلة عدن بموقعها البحري الذي يصلها مع العالم ويعمل على تنوع التاريخ والثقافة والأديان والمعتقدات والأجناس، كذلك الأحداث السياسية التي تعد الجزء الأهم من فترات ومراحل الصراع حول هذه المدينة.وعبر حقب تمتعت عدن بأهمية كبرى في الفكر السياسي والتاريخي والجغرافي عند الغرب فكانت المنطقة التي لا يجوز تخطيها في الحسابات الحضارية عندما تشتد مراحل التنافس الدولي أما العوامل البريطانية الدافعة نحو عدن فقد لخصت بعض أسبابها في التالي : 1 - أن ميناء عدن يتمتع بموقع استراتيجي يشرف على مدخل البحر الأحمر. 2 - أن هذا الميناء يشرف على طريق المواصلات البحري بين الهند ( دولة التاج البريطاني) وبريطانيا. 3 - صلاحية عدن كميناء يستوعب حركة الملاحة البريطانية وهي في طريقها ذهاباً واياباً من والى الهند. 4 - صلاحية عدن كقاعدة عسكرية تكون نقطة انطلاق للسيطرة على بقية المنطقة. 5 - اتخاذ عدن مركزاً لوقف توسع محمد علي في منطقة جنوب البحر الأحمر. 6 - اتخاذها كقاعدة لمنع أية قوة أجنبية من منافستها في المنطقة . لم تكن الأهداف البريطانية من احتلال عدن الوقوف عند هذا الحد ، بل التوسع والانطلاق نحو الجزيرة العربية وجنوبها والبحر الأحمر وفي عام 1828م أوضح الميجور جنرال باجنول ممثل بريطانيا باليمن أهمية ميناء عدن وخليجها المتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر والمقابل للمحيط الهندي وقد أوصى باحتلال عدن. كذلك ذكر السير روبرت جرانت حاكم بومباي ما لميناء عدن من أهمية وفي خطابه المرسل إلى رئيس مجلس إدارة شركة الهند الشرقية التي أسست عام 1600م في لندن كتب في شهر فبراير عام 1838م يقول :( إن أهمية عدن بالنسبة لنا لا تقدر بثمن إذ انه يمكن استخدامها كمخزن ومحطة لتموين السفن التجارية طيلة فصول السنة كما أنها مركز التقاء ومرفأ ممتاز لرسو السفن التي تعبر طريق البحر الأحمر فضلاً عن أنها قاعدة عسكرية قوية تؤمن الاستفادة والسيطرة على تجارة البحر الأحمر والخليج الفارسي والساحل المصري المواجه .. وإذا ما أصبحت عدن ملكاً لنا فإنها كجبل طارق وأنني انظر إلى الموضوع بشمول وبعمق أكثر فهناك أمتان كبريان تتآمران علينا وتودان القضاء على قوتنا في الشرق أولهما روسيا وهي تتجه نحونا من خلال إيران والثانية فرنسا وهي آتية من خلال مصر وحتى نتصدى لهذه التهديدات يتحتم علينا أن نقيم مراكز دفاعية متعددة فيما وراء نطاق حدودنا). وحول هذا الجانب من تاريخ الوجود البريطاني في عدن ومنطقة البحر الأحمر جاءت دراسات الباحث البريطاني جون بولودري لتضيف عدة معلومات هامة حول تلك الحقب التي كان فيها لتاريخ عدن البحري دوره العالمي ومنزلته في السياسة الدولية وقد أسهم في عدة دراسات نذكر منها: 1 - التنافس الانجلو - ايطالي في اليمن وعسير،1934-1900، نشرت بمجلة (العالم الإسلامي ) الألمانية المجلد السابع عشر. 2 - التدخل الأجنبي في جزيرة كمران واحتلالها نشرت بمجلة ( دراسات عربية) الانجليزية المجلد الرابع. 3 - اليمن والاحتلال التركي 1849-1914م نشرت بمجلة ( ارابيكا) الفرنسية المجلد الثامن عشر الجزء الثاني. 4 - الصراع من اجل البحر الأحمر سياسة موسويني في اليمن 1943-1934 م، نشرت بمجلة ( الدراسات الأسيوية والإفريقية) الانجليزية المجلد السادس عشر عام 1980م. 5 - محطة الحجر الصحي العثمانية في جزيرة كمران ،1914-1882م نشرت في مجلة ( تاريخ الطب) الانجليزية المجلد الثاني الجزء الأول 1978م. 6 - جزيرة كمران اليمنية خلال الحرب النابليونية. نشرت بمجلة ( دراسات الشرق الأوسط) الانجليزية المجلد السادس عشر الجزء الثالث أكتوبر 1980م . حول أحداث الحرب العالمية الأولى ودور عدن كقاعدة عسكرية يقول جون بولودري : ( في وقت مبكر من سبتمبر 1914م اقترح المقيم في عدن قصف الحديدة التي تعتبر الميناء الرئيسي لولاية اليمن، وبدخول تركيا الحرب في 31 أكتوبر، رأت الإدارة السياسية لحكومة بومباي إعادة دراسة هذا الاقتراح . لكن نائب الملك ذكر في عدة برقيات في 7 نوفمبر أن فرض حصار على الحديدة لقطع إمدادات الطعام التركية قد يكون أفضل من قصفها على الأقل حتى يعرف موقف الإمام تجاه بريطانيا. وقد أدى دخول تركيا الحرب إلى إعادة تقييم السياسة البريطانية فيما يتعلق باليمن وقد اقترح نائب الملك في 7 نوفمبر انه يجب أن ترسو سفينة بريطانية على جزيرية فرسان وترفع العلم البريطاني . وفي المناقشات التي دارت في لندن كسبت حجج نائب الملك الموقف لقوتها وتضمنتها مذكرة وزارة الخارجية التالية بتاريخ 15 نوفمبر. وفي اليوم الثاني ابلغ جراي حكومة الهند بموافقته على رفع العلم البريطاني على ثلاث من جزر “ فرسان “ لكن حيث إن الأتراك قد غادروا فرسان قبل ذلك بأيام قليلة توقعاً لقصف بريطاني فإنه لم تجر محاولة لرفع العلم البريطاني. لقد كان الأثر المحتمل على عرب البحر الأحمر لأي عمل بحري بريطاني ضد ولاية اليمن يسبب قلقاً في مصر الأمر الذي دفع شيتهام هناك إلى أن يطالب بإصدار بيان يوضح أن بريطانيا “ ليس لديها أي نية للقيام بأية عمليات عسكرية أو بحرية في الجزيرة إلا إذا كانت من اجل حماية المصالح العربية ضد العدوان التركي أو أي عدوان آخر.وقد تقرر نهائياً بعد عدة مناقشات أن ينشر بيان في عدن يفيد بان : الحكومة البريطانية لاتضمر أي رغبة في توسيع حدود ممتلكاتها وتشعر بثقة أن العرب لن يربطوا أنفسهم بالأتراك الأعداء الحقيقيين لتقدم العرب ورفاهيتهم ضد الانجليز الذين يصرون على صون حقوق الإسلام ويحترمون الأماكن المقدسة).في 20 أغسطس عام 1914م كتب المقيم السياسي البريطاني في عدن جنرال ( جاي . ايه . بل) الذي حكم من عام 1910 حتى 1914م برقية ( 108) إلى سكرتير حكومة الهند - دائرة الشؤون الخارجية والسياسية ما يلي : ( في هذا الجزء من جزيرة العرب ثلاثة متنافسين : “ أ” الإمام “ ب” الأتراك “ ج” الإدريسي . كان الأتراك حتى الوقت الحاضر غير ناجحين في محاولاتهم لاسترضاء الإدريسي وبنتيجة ذلك يقومون الآن بمحاصرة ميناءي ميدي وجيزان. إذا كان الإمام والإدريسي اللذان يحارب احدهما الآخر يتفقان وهو أمر عويص في الوقت الحاضر لأنهما متنافسان فإن الأتراك قد يحذون حذوهما. ولكن من الجهة الأخرى إذا تصالح الأتراك والإدريسي أولاً فإن الإمام مندفعاً بحسده لخصمه ومنافسة، يحتمل أن ينقض اتفاقه الحاضر مع الأتراك بينما يعمد الإدريسي في أكثر الاحتمالات إلى الاتفاق مع الأتراك. أن الأتراك والإمام هم الآن على علاقات ودية في الظاهرة وسبب ذلك أن الإمام يحصل على منحة كبيرة من الحكومة العثمانية بينما ضعف الأتراك بعد حرب البلقان يدفعهم إلى خطب ود الإمام في جزيرة العرب. إذا أظهرت الحكومة التركية عداء لحكومة صاحب الجلالة فسيكون في المستطاع تشجيع الإمام على نقض ميثاقه مع الحكومة التركية بوعده بمساعدة نقدية وتكون النتيجة تحالفاً عربياً بين الإدريسي والإمام موجهاً نحو الأتراك الذين يبغض العرب كلهم نظام حكمهم وسوء تصرفاتهم وموقف الإمام تجاهنا يتسم بالود وموقف الإدريسي مترقب. وهكذا بدون أن يكون من الضروري لنا اتخاذ خطوات عدائية في البر مما قد يخلق جواً مريباً في محميتنا يكون في وسعنا جعل وضع الحكومة التركية صعباً في جنوب غربي الجزيرة العربية . ويمكن أن يكون قصف الموانئ البحرية التركية في البحر الأحمر خطوة مساعدة بينما تبقى موانئ الإدريسي سالمة. أتجرأ فأقدم هذه المقترحات لان لي بعض الخبرة في هذه الأماكن فالكثير من القبائل العربية في داخل الحدود التركية طلبت في السنوات الماضية حماية الحكومة البريطانية واسمنا وسمعتنا الطيبة للمعاملات العادلة منتشرة في الآفاق. وبعد كتابة ما تقدم تسلمت برقية رمزية من حكومة بومبي بتاريخ 19 الجاري ترسل اسئلة مع الحكومة الهندية رقم 595 “ تسلسل “ رقم 29” بالتاريخ نفسه وهذه تسمح لي ان اضيف ان في استطاعتي بدء المفاتحات هنا مع الامام عن طريق وسطاء يعتمد عليهم. وبخصوص المسلمين الهنود الذين في عدن فأنهم يقفون موقفاً سلبياً اذا قطعت العلاقات بين الأتراك والعرب ولي أن أذكر أن شريف مكة يلتزم في الوقت الحاضر موقفاً مريباً جداً نحو الأتراك وقد انسحب إلى العزلة في التلال. معنونة إلى الدائرة الخارجية والسياسية في سيملا ومكررة إلى حكومة بومبي وحكومة صاحب الجلالة في لندن). يوضح لنا الباحث البريطاني جون بولودري ما كانت عليه عدن وتوجهات بريطانيا نحو التوسع البحري فهذه المدينة ظلت في الحسابات الكبرى للتحرك الغربي في المنطقة وعندما جاء عام 1916م كان من الصعب على بريطانيا أن تقوم بأي عمليات عسكرية في داخل المناطق العربية من الجنوب واليمن وذلك بسبب ما كانت على عاتقها من تعهدات والتزامات في حقبة الحرب العالمية الأولى ، غير أن بريطانيا ومن منطلق سياستها القائمة على قراءة الحدث من مستوى الأرضية التي يقف عليها فقد أعطت تعهدات إلى الملك حسين ( الشريف حسين)، شريف مكة وأميرها من عام 1908الى عام 1916م وملك الحجاز من عام 1916 حتى عام 1924م الذي كان ميلاده عام 1854م ووفاته في عام 1931م بان تكون كل أراضي شبه الجزيرة العربية باستثناء محمية عدن تابعة له وعربية ومستقلة بعد الانتهاء من الحرب، كما تعهدت بريطانيا لفرنسا، ولايطاليا مؤقتاً: (أننا لن نطالب، ولن نسمح بان تطالب دولة ثالثة بأي ممتلكات في شبه الجزيرة العربية).وكان ذلك التعهد الموقع عليه في مايو 1916م، بعدم ضم أي أرض في شبه الجزيرة العربية، كان خاضعاً للشرط الذي نص على التالي: (ان ذلك لن يحول دون إدخال تعديل على حدود عدن وهو تعديل يمكن أن نعده ضرورياً بعد هجوم الأتراك الحالي.وبعبارة أخرى اذا رغبنا في ضم الشيخ سعيد فاننا سوف نكون احراراً في القيام بذلك العمل طبقاً إلى ما يشير إليه اتفاق عام 1916م).غير ان المصالح الفرنسية في المنطقة قد دفعت اصحاب العمل السياسي إلى شراء اراض في الشيخ سعيد عام 1868م، وفي هذا المضمار يقول الكاتب: (وعلى الرغم من ذلك، فلم تكن مثل هذه الاعتبارات في إبريل 1917م، هي التي قادت اللجنة الفرعية لمجلس وزارة الحرب الإمبراطوري للنظر في الرغبات الاقليمية إلى أن ترفض خطط الاحتلال البريطاني للشيخ سعيد.وقد رأى رئيس اللجنة انه من المرغوب فيه جداً، ان تدخل الشيخ سعيد، ضمن حدود محمية عدن، المعدلة وفقاً للمادة العاشرة من الاتفاق الانجلو ـ فرنسي في مايو 1916م.وبناء على مشورة تلقاها تشمبر لن من حكومة الهند ورئيس الأركان العامة، فقد أوصى بأن القوات قد تستخدم بشكل أفضل في أي مكان آخر وتبعاً لذلك لم يوجه أي عمل جديد ضد الشيخ سعيد).كان موقع عدن المهم عند مدخل البحر الأحمر الجنوبي يشكل حلقة اتصال بين الساحل الشرقي والغربي للبحر الأحمر والساحل الجنوبي للجزيرة العربية، ما دفع بريطانيا في الاتجاه نحوها منذ عام 1918م، حيث أخذت تمهد السبل للسيطرة عليها وجعلها قاعدة لسفنها الحربية في منطقة البحر الأحمر، ويؤكد هذه الوضعية ذلك التقرير الذي رفعه الوكيل التجاري في عدن إلى حكومة الهند البريطانية يذكر فيه: (ان البحر الأحمر والخليج الفارسي يشبهان ذراعين مدتهما الطبيعة لوصل الهند بأوروبا).ومن هذا المنطلق السياسي والعسكري والاقتصادي لموقع عدن، قامت بريطانيا بإرسال ممثلين عنها عام 1802م، إلى سواحل البحر الأحمر وعدن بغرض إقامة العلاقات مع قادة المنطقة من جهة ومقاومة المد الفرنسي الذي بدأ باحتلال مصر ومحاولة الوصول إلى مكان النفوذ البريطاني.كانت حملة نابليون بونابرت على مصر في عام 1798م، وكان ينظر إلى مصر بأنها مفتاح الشرق والبحر الأحمر والمحيط الهندي، ولم تكن عدن بعيدة عن هذه الرؤية.واستعداداً لمواجهة الخطر الفرنسي في البحر الأحمر والمحيط الهندي احتلت بريطانيا في مايو عام 1799م جزيرة بريم وذلك كإجراء أولي لإغلاق البوابة الجنوبية للبحر الأحمر في وجه القوات الفرنسية.ذلك ما كانت عليه عدن في حقب الماضي ومازال لموقعها اليوم رهانات سياسية تصب في مصالح وصراعات القوة العالمية التي تعيد صياغة جغرافية الشرق الأوسط الجديد.[c1]المراجع:[/c]العمليات البحرية البريطانية ضد اليمن أبان الحكم التركي 1914 ـ 1919م.تأليف جون بولودري. ترجمة وتقديم الدكتور سيد مصطفى سالم. المطبعة الفنية بالقاهرة 1982م.الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية ـ نجد ـ الحجاز، المجلد الثالث 1917 ـ 1918م.، اختيار وترجمة وتحرير: نجدة فتحي صفوة دار الساقي ـ لندن 1995م.