تمثل المفاهيم أهمية خاصة في العمل السياسي، فالجدل والمناقشة السياسية غالباً ما تفضي إلى صراع حول المعنى المشروع للمصطلحات أو المفاهيم السياسية . فـقد يـتجادل الناس ويتقاتلون، بحجة ان كل واحد منهم على حق في تمسكه بمفهوم معين كالديموقراطية أو الحرية او العدالة. وهنا تكمن المشكلة في أن المفاهيم السياسية تتخذ معاني مختلفة باختلاف مستخدميها. وعلى ذلك، تصبح المفاهيم إشكالية .كما هي في ذهنية السياسي الجنوبي ، فقد تصارع الناس واحتربوا وتمترسوا خلف المفاهيم السياسية الذي يظن كل طرف بان ما يطرحه من مفهوم لتفسير الظاهرة او حلها هو الصحيح. وقد شكل التاريخ السياسي الحديث في المجتمع اليمني بعامة والجنوب بخاصة تاريخ جدل واسع حول المفاهيم بين النخب السياسية وقاد هذا الجدل إلى صراع مسلح تتمترس خلفه قناعات أيديولوجية ومواقف ثابتة ، وفي الأغلب تعامل معها الكثير بصورة خاطئة، ومواقف عصبوية ،بل واخذ هذا النمط من الصراع او الجدل وقت اكبر من اللازم، الأمر الذي اهدرت بسببه الكثير الفرص في خضم هذا الجدل العقيم، بدلا من إخضاع هذه المفاهيم إلى خصوصية الواقع والتعاطي معها وفقا لطبيعة القضايا التي تتمحور حولها هذه المفاهيم النظرية، ربما سوسيولوجية المجتمع في الجنوب تشكل بيئة مناسبة لظهور مثل هذا الجدل أو التعامل مع المفاهيم ان صح التعبير. وعليه فقد استوعب الطرف الآخر هذه السوسيولوجية الجنوبية ويعمل على تسريب وإثارة مثل هذا الإشكال في الوسط السياسي الجنوبي عبر ماكنته الإعلامية . لهذا فإن جزءاً كبيراً من وقت الجنوبيين يذهب في مجال الجدل العقيم حول معنى هذه المفاهيم، مثل مفهوم استعاده الدولة ، فك الارتباط، الفيدرالية، التحرير ،الاستغلال، الحراك، القيادي في الحراك، الانفصال ، القضية الجنوبية أو قضية الجنوب ، الجنوب العربي، الحوار أو التفاوض المكونات السياسية والاجتماعية، القضية السياسية ، القضية الوطنية وغيرها من المفاهيم التي نشعر أن التعامل معها بالصورة العقيمة والعقائدية كما الصور الذهنية التي تستند في بعضها على خلفيات الماضي والحاضر السياسي ، فان ذلك عبث في عبث ، بل وامتهان للعقل السياسي، وقد ارتكبت النخب السياسية خطأ كبيراً في الإفراط بهذه المفاهيم الذي أعاق إلى حد ما مسيرة الحركة الوطنية الجنوبية. فالمحلل السياسي عليه أن يتجه إلى دراسة هذه الأحداث من وجهة نظر تضفي معنى على ظاهرة أكبر، أو أكثر عمومية، قاصدا الهدف المراد من ذلك من خلال فهمة للظاهرة السياسية بأبعادها المختلفة . فالمفاهيم السياسية لها طبيعتها وتحديها الخاص فغالبا ما تكون غامضة، وتكون موضوعا للتنافس والجدال، كما قد تأتي محملة بالأحكام القيمية والتداعيات الأيديولوجية، والتي قد يكون مستخدموها على غير دراية بها، فمن غير المعقول أن يجري النقاش بين أناس يدعون التمسك بنفس المبادئ أو الأهداف ، كما هو حاصل الجدل بين أصحاب الفيدرالية وفك الارتباط، في هذا الاتجاه قد اقترح دبليو بي جاليه أستاذ الاجتماع السياسي مخرجا لهذا الإشكال باقتراحه بأنه في حالة مفاهيم مثل «القوة»، و«العدالة»، و«الحرية» فلا يمكن تطوير تعريف محايد أو مستقر للمفاهيم التي هدفها واحد، حيث قال: يجب أن يتم الاعتراف بها، وباعتبارها أساساً مفاهيم مشتركة، لا يمكن قبول أي منها باعتباره معناه الحقيقي. لكي نعترف أن المفهوم هو بالضرورة «مفهوم مشترك» طالما يحقق الهدف المشترك.[c1]* باحث اكاديمي ، رئيس مركز مدار للدراسات[/c]
|
آراء
نحو مقاربة سياسية لمفاهيم القضية الجنوبية
أخبار متعلقة