بعيدا عن “عبارات” الاشادة أو الادانة، التي ستميز ردة الفعل الآنية عن قرارات رئيس الجمهورية، التي اعلنها آخر يوم “اجازة”، فان القرارات، تحتاج نقاشا مختلفا عن “الصراع حولها”.ولم يقل “هادي” انها “النصر المبين”، غير أن فيها الكثير من المؤشرات التي تدين أول ماتدين، تقديم كل طرف لها باعتبارها “نصراً مطلقاً أو هزيمة مطلقة”.. فالرجل يتصرف بأقل قدر من الامكانيات، وبأكبر قدر من الهامش، ويتصرف مع الواقع، كنتيجة فعل وخطاب “طرفي صراع”، لا الاول كان له “دولة” ولا الثاني صار معه “ثورة”، ومن ثم محاولة اشغالهما، بين المراضاة والتضييق. و”تمرير” رموز لعهد جديد، من داخل النظام السابق، من الذين لم يكن لهم دور في الصراع.احلال قوات الدولة التي كانت قبل عهد “علي عبدالله صالح وعلي محسن”، مكان قوة الرجلين، كقرار تعيين الجائفي قائد المنطقة الشرقية، وتعيين عبدالرحمن عبدالله الحليلي قائداً للواء الثالث مدرع حرس.ويختبر اختيار راشد الجند قائداً للقوات الجوية والدفاع الجوي، ونقل “معياد” من صنعاء الى نهم، الخصمين معا، “علي محسن ومحمد صالح”، فهادي، يريد التخلص من “صداع أرحب نهم”، واحراق بدلات طلاب معهد الجوية، الذين يستغلون الظروف للمطالبة باعتمادهم ضمن قوات الجوية. وبدا “محمد صالح” عاجزا عن “القيام بمايحمي الجوية من الانهيار”.ومع خطورة اعلان نائب قائد الجوية، تحفظه على قرار “اقالة قائد الجوية” “مالم يقال قائد الفرقة الأولى مدرع”، فان المرجح أن تنفذ القرارات، حيث أن “هادي” التزم ايضا “سياسة صالح” في التسويات، لتجاوز حدة الصراعات حول منصب ما، فقد عين كلاً من قائد الجوية وقائد المنطقة الشرقية نوابا لهيئة الاركان، التي صارت تنافس محافظة أبين في عدد الوكلاء.وثم ان القرارات، حتى الآن، ترتب “بيت النظام”، أما نفوذ “حامي الثورة”، فهو خيار مؤجل، باعتباره النفوذ الذي لايزال يهدد -فعليا- شرعية “هادي”، لأن الآخرين لاخيارات لهم الا الانصياع لرئيس الجمهورية الأمين العام للمؤتمر الشعبي او الانشقاق عن كل هذا وسيكون المتضرر هو النظام نفسه وقوتهم انهم منه، أما محسن، فإن لم يتم ترضيته فسيكون الامر “اعتداءا على الثورة”. مع ان ابعاد محمد علي محسن والمقدشي من الميدان، وتغيير قائد جديد للقاعدة الجوية في الحديدة، هي رسالة لعلي محسن، أنه “قائد” منطقة وليس “مستقلا”، كما هي الرسالة للحرس الجمهوري بتعيين شخصيات من خارجه.ومن الغريب أن قرارات هادي جميعها عينت جميع الخصوم من سنحان في مقر واحد، هو مقر “هيئة الاركان” من مهدي مقوله الى محمد صالح الاحمر، الى محمد علي محسن. ولم يعين أي مسؤول حتى الآن في وزارة الدفاع. ومن المفترض الاعلان ان كانت هذه القرارات صدرت بالتنسيق مع اللجنة العسكرية، أم لا، فعلى الأقل، يحتاج “فخامة رئيس الجمهورية، القائد الاعلى للقوات المسلحة”، مؤسسات يستند إليها للدفاع عن كون قراراته ليست “تصرفا فرديا”.ويمكن اعتبار تعيين “طارق محمد عبدالله صالح” في حضرموت،اضافة إلى نقل طارق محمدعبدالله الى حضرموت فقد تم تعيين قادة لوحدات في الحرس دون التنسيق مع قائده على مايبدو، اثنان منهم من أبين، الى جانب “مدير شركة النفط”، الذي لم يكن له اي حضور في الشركة التي تعج بكوادر مؤهلة فنيا واداريا. والسؤال، هو إن كان القادة الجدد، هم من قوام الحرس الجمهوري، أم يعتبر هذا أول قرار لتعيين قيادات للحرس من خارج قوام قواته، والأمر هنا سيحدد مستوى قدرة القائد الجديد، على نسج وئام بين ماهو أعلى منه وماهو أدنى، وجميعهم ينتمون لمؤسسة “الحرس” نفسها، لتنفيذ مهمة حراسة “الرئيس” و”الرئاسة”، وابقاء “الحرس” قوة متناغمة، خلافا لبقية القوات المسلحة التي كانت اشبه بمؤسسات لتوازن صراع مراكز القوى.ومع ان تعيين مسؤولي حراسات “القصر الجمهوري”، و “دار الرئاسة، من “أبين”، يعني أن “هادي”، يواصل سياسة “صالح”، في تعيين فريق حراسات مؤسساته المباشرة، من منطقته، وهو درس مهم في صراعات هذه البلاد، فلم يذهب الارياني الا حين ابعد قريبه من هيئة الاركان، ولم يقتل الحمدي الا حين اغتال خصومه شقيقه “عبدالله” القائد العسكري الأهم، قبله بساعات.وبتعيينات شخصيات محسوبة عليه من “الجنوب” في المنطقة الوسطى والبحرية وغيرها، يسابق “هادي”، أي خيارات غير خيار “سقف الوحدة”، الذي اشترطه هو، ورفض به حتى “حوار برلين” الذي شارك فيه الدكتور عبدالكريم الارياني، واقر “الحوار بدون شروط، واعتماد مرجعيات القرارات الدولية حتى على أزمة 94”.وبتعيين، محافظ جديد لأبين، هو جمال العاقل، يسابق الرئيس، “محمد علي أحمد” في شد محافظة أبين، التي تحكمها “انصار الشريعة”، التي تمنع عمليا الاتصال بين شرق وجنوب، “الجنوب”.ومع المحاولة الذكية، في حماية خطوط الكهرباء والنفط، باسناد مأرب لسلطان العرادة، واختيار “القوسي” لمحافظة حجة، رسالة للحوثيين وللاصلاح في وقت واحد، فهو قائد للوساطة وللحرب ضد الحوثيين في عهد “صالح”، وهو “الاصلاحي” الذي لم يعلن استقالته من الاصلاح ولكنه لم يعمل ضمن رؤيته، فقد بقي مع “الرئيس السابق” كما هو حال “عبدربه” ذاته.غير أن الخلل الأسوأ، هو أنها تتجه للأفراد، وليس للمؤسسات، اذ ان هادي، عوضا عن دعوته المجالس المحلية لمحافظات مأرب وتعز وحجة وحتى أبين، للاجتماع في صنعاء، ومن ثم تعيين محافظيهم بالتنسيق معهم، تجاهل وضع الدولة “المهزوز”، وتصرف “الرئيس” باعتباره “المركز الوحيد”، الشرعي، فقرر حزمة قرارات “فردية”، لن تنعكس على “يوميات الناس” بشيء، وكان أن أعلن “شوقي هائل”، في أول تعليق على قرار تعيينه: “لا علم لي بهذا القرار”، وهو ليس رفضا للقرار، بقدر ما هو“تنبيه أنه لم يتم التشاور معه فيه”.الجميل، في قرارات هادي، هو حسن استغلاله للمزاج “الثوري”، الذي سيدعم أي قرار يتخذه الرجل، الى حين. لكنه سيكون “دعما اعلاميا معنويا”، لايفعل شيئا في الواقع، ومن الخطورة بمكان بقاء “الدولة اليمنية” دولة “على الورق”، أكانت ورق القرارات أو ورق الاعلام.كما أن أسوأ الملاحظات، هو أنه بقرارات “مساء الجمعة”، يواصل “هادي”، وبمطابقة غريبة، سياسة “سلفه”، تجاه “المؤتمر الشعبي العام”، باعتباره مجرد “ملحق بالدولة”، ولا رأي له ولا قرار، مع انه يحتاجه ولو “شكليا”، فالمؤكد أن “هادي” لديه أجندة حكم حقيقية، أبعد من طرفي الصراع في صنعاء. ومهما قال فيه كل طرف، انه معه او ضد خصمه، فهو من باب “محاولات ترضية الذات”.
قرارات الرئيس هادي.. صورة من بعيد
أخبار متعلقة