الغياب، والقطيعة القسريان للمسار السياسي الجنوبي على مدى عقد ونيف، وتعثر خطوات إعادة تشكيله، وعدم بروزه في الوقت المناسب بتواز مع المسار الميداني - الشعبي الواقع تحت إلحاح وضغط الهياج الشعبي العارم والمتصاعد والمتسارع على طول وعرض الساحة الجنوبية، وتحت وطأة القمع والترهيب والترغيب والاستقطاب والتجاذب، والمحاولات الحثيثة لتوظيف وتجيير وركوب موجة الحراك، ومحاولات تعنيفه ومزاوجته بالقاعدة والإرهاب وغيره جعلت هذا الأخير يتبنى المسارين معا دون إدراك المصاعب والمتاعب والأضرار والمخاطر المترتبة عليه في قادم الأيام والمراحل اللاحقة.وتبعاً لذلك اتجه صوب (تأطير وبرمجة ) الحراك وفي هذا فتح الباب على مصراعيه للاجتهادات المفتقرة إلى الخبرة والتجربة والحنكة السياسية وللمعارف اللازمة وللمعطيات الكافية عن القضية وخفاياها وأبعادها، وعدم التمييز بين دور وظيفة وفعل وتأثير كل مسار على حدة وكيفية وضرورة تلازمها وتفاعلها معا من جهة، ومن جهة أخرى فتحت شهية الأنا والبحث عن الذات وإظهار الفروسية العمياء والبلهاء والتشبث بالانتماءات والتمترس وراءها بدلا من البحث عن (الوطن ونحن) والتمسك بالروابط والجوامع والثوابت الوطنية بل وصرف الأنظار عن حل القضية الوطنية الكبرى والتركيز عليها .. وبالنتيجة النهائية أصبح لدينا وفي الواقع:1 - كم من الأطر ( المكونات )، كم من الرؤى، كم من المسميات، كم من الإعراض والتعقيدات .... وجميعها لقضية واحدة، وهدف واحد، ومسمى واحد، ومسعى واحد .2 - أصبح المسار الميداني - الشعبي في الصدارة والواجهة وفاعل ومؤثر على الأرض ولكنه غير فاعل ومؤثر سياسياً، وغير قادر على إدارة الخلافات والتباينات بينما ظل المسار السياسي المقتدر والمخضرم متخلفاً وتابعاً ولاحقاً له وغير متناغم ومنسجم معه .3 -الدعوة لوحدة الصف والرؤية جاءت متأخرة ولاحقة وبعد أن ظهرت الأعراض وبات يعاني منها الجميع في المكونات والأطراف بل وحالت دون الوصول إلى صيغة نضالية ولغة وخطاب سياسي مشترك ثم ظهرت آثارها وتأثيرها على الشارع الجنوبي فتعالت الصيحات مستنجدة بالخارج فصدرت المشكلة إلى الخارج الذي هو الآخر يعاني من هذه الحالة وبدلاً من حلها زاد الطين بلة وعمل كمن يريد أن يكحلها فعورها .وبالتالي أصبح الخارج والداخل في نظر الشارع الجنوبي منتجاً ومصدراً لمشاكل ومتاعب وخصومة بعضه لبعض وفي (الهواء سواء) بدلاً من إيجاد الحلول والوئام والتخفيف من هموم ومعاناة العامة ووقف نزيف التضحيات ... ولولا عناية الله وقدره وتحمل وتماسك لحمة القاعدة الشعبية العريضة للحراك وترسخ قيمه وثقافته لكان الحراك في خبر كان ومع ذلك فحالة الإحباط والفوضى في تصاعد وعملية التفكيك والاستقطاب جارية ورصيد التعقيد والتضخيم والخطورة متزايد ، وعامل الزمن وصبر الناس في نفاد... وبالتالي فإن الأمر المهم اليوم الذي ينبغي وضعه في الحسبان هو : من هو المسئول عن الفشل والنكسة إذا ما وقعت عن إهدار الفرصة التاريخية وضياع التضحيات الجسيمة والغالية والمكاسب التي حققها أبناء الجنوب بدمائهم وتضحياتهم وإهدار كرامتهم ؟عندئذٍ هذه هي المعطيات ويجب أن لا تغيب عن الأذهان، وهذه هي المشكلة وأعراضها وأسبابها ، وهذا هو الوقع والوضع المؤلم والمزري الذي نحن فيه. وعليه يبقى الأهم اليوم ماذا نحن فاعلون ؟ هل نحن اليوم نبحث عن حلول جذرية ونهائية للخلاص من هذه المسألة التي تحولت إلى معضلة وفي طريقها إلى التعقيد والخطورة وقبل فوات الأوان أم أننا نبحث عن مبررات وحجج واهية وهلامية ووهمية من أجل ترحيلها وخلق مشكلة أخرى من بطنها تضاف إلى سابقاتها ؟ إن لكل مشكلة حلاً، وأنجع الحلول هي تلك التي تطرح وتؤخذ في حينها وتلامس جذر وأسباب المشكلة تجنبا لخطورتها وتبعاتها ومنعا لترحيلها وتوالدها، وإذا كان الامر كذلك فيتعين على الجميع: سرعة الانبراء والمبادرة والتداعي وتقديم أفضل وأقصى ما لديهم وتحمل مسؤولياتهم التاريخية والوطنية والقانونية والأخلاقية والإنسانية تجاه وطنهم وإما الاعتذار وإفساح المجال للآخرين وللجيل الصاعد لتحمل مسؤولياته وليس من العقل بشيء أن يبقى الحبل على الغارب والى اجل غير مسمى ، وفهم المشكلة وإدراك مخاطرها وتبعاتها وأبعادها وملامسة جذرها وأسبابها الجوهرية ، والاعتراف بها وبمعطياتها . أخيراً، السعي الجاد والحثيث والمخلص لإنهائها ودفن افرازاتها وأثارها وما أحوجنا اليوم جميعاً إلى المصارحة والمناصحة والمحاججة الموضوعية والحوار البناء والأخوي والشفاف والنزيه وعلى قاعدة التصالح والتسامح المنشودة.
معا نحو حل المشكلة بدلاً من ترحيلها وتأجيجها
أخبار متعلقة