التقليد في قصائد الشعراء الشباب ...
استطلاع / دفاع صالح الشعر هو صورة من الحياة وترجمان للشعور وفيض من توتر الروح وتعبير عن الوجدان.. وشاعرية الشاعر- كما يقول كثير من الكتاب - لا تقاس بنوع الموضوع الذي يتطرق إليه في شعره ومن ثمة الحكم بالإبداع أو الرداءة وإنما بطريقة الأداء وكيفية التصوير ودلالة اللفظ على المعنى وتدفق الشعور كتيار مصاحب للصور الشعرية .. فما هو مصير القصيدة العربية في ظل تشابه الأصوات الشعرية الشابة وفي التقليد الذي يسود الحياة الإبداعية؟ يقول د. عبدالمطلب جبر - أستاذ اللغة العربية في كلية التربية - جامعة عدن: ( لعل من الظواهر البارزة في شعر الجيل الجديد في اليمن، ظاهرة التماثل والتشابه بل والتناسخ أحياناً تعبيراً ورؤية، وقد نعلل ذلك أن جزءاً كبيراً منهم قد تشبع بقراءاته الحديثة من الشعر السائد في الصحافة العربية، وهو شعر يميل إلى اتخاذ النثر أداة للشعر، وكان الناقد الكبير عز الدين إسماعيل قد أشار ذات مرة في إجابة له إلى ما أسماه (القصيدة الكربونية) وهي القصائد التي ينسخ بعضها بعضاً.وأضاف: (( الجيل الشعري السابق كانت له تجاربه المتفردة وله مصادر قراءات شعرية متعددة قد يظهر في ديوانهم الأول ألتأثر المباشر، كما نرى لدى الشاعر لطفي جعفر أمان أو غانم أو جرادة، لكنهم بعد ذلك حفروا مجرى شعرياً متميزاً وتعددت تجاربهم، وجزء من ظاهرة التناسخ أن القصيدة بالنسبة لهذا الجيل تجريب لغوي لا رؤية شعرية، لأن الرؤية المتفردة النابعة من تجربة متفردة تولد نصاً شعرياً متميزاً)).أزمة الشعر الحديث في رأي بعض النقاد تأتي من كون الجيل اللاحقة لجيل الكبار (السيات، الملائكة، البياتي، دنقل، عبد الصبور) لم تستقم له الملكة الشعرية ولا تهيأت له الأسباب للسيطرة على اللغة ولا تعمق في دراسة الشعر العربي الكلاسيكي ولا تمرس بدراسة المذاهب والنظريات النقدية، ناهيك عن الجهل التام بالعروض وقواعده والقافية وأصولها.يرى د/ عبده يحيى الدباني نائب رئيس اتحاد الأدباء فرع عدن- أن التشابه والتقليد بين الشعراء المستجدين الشباب فرضية قد تكون صحيحة وقد لا تنطبق على الكل. ويقول:( أيضاً نجد البعض من هؤلاء المستجدين قد وضعوا بصمات شعرية واضحة، ومن هنا يمكن القول إن طبيعة الإبداع تحتم على المبدعين في مجال الكتابة أن يتشابهوا في بداياتهم نتيجة لتقارب الثقافات وعودتهم إلى مدارس شعرية واحدة، فهناك تشابه بين عصر وآخر ومرحلة وأخرى وهناك تأثير وتأثر واضح).ويردف:(( تكمن المشكلة من وجهة نظري عند المبدع الذي لا يعمل على تطوير قدراته الشعرية لكي تصبح له بصمته، وفي هذا السياق نشعر بالتقصير تجاه الشباب المبدع الذي يفتقد للنقد والتوجيه، فنحن نعاني من ضعف النقد وقلة المنتديات والجمعيات والمنابر الثقافية التي ترعى المستجدين من الشباب المبدع)).ويرى المفكر العربي حسين مروة أن أزمة القصيدة العربية تعود إلى الظروف التاريخية التي تعانيها حياتنا العربية الحاضرة وتشابه تلك الظروف التي كما يقول - أحدثت خللاً في التوازن الداخلي لحركة نمو القصيدة العربية الحديثة.ويقول د. خالد العزاني - أستاذ اللغة العربية - جامعة عدن: (( الشعر أولاً وقبل كل شيء موهبة وهو ترجمان للوجدان، فهو يخاطب أحاسيس الآخرين، لذا فمن الضروري أن تنمي الموهبة الشعرية بالمعرفة والإتقان للأوزان الشعرية، فقديماً كان الشاعر المبتدئ يبدأ نظم الشعر على وزن بحر ( الرجز) وهو من أسهل الأبحر وزناً وفيه كثير من العلل، وكان الشاعر حينها ينمي موهبته تدريجياً حتى يسهل عليه النظم على وزن أبحر أخرى، أما في وقتنا الحاضر فقد أصبح الشعر فضاء للذي يعرف والذي لا يعرف، وأصبحت الأشعار وكأنها منتحلة ومصبوغة بصبغة واحدة، فهناك خلل كبير بحاجة إلى تضافر الجهود من قبل الأدباء والنقاد، حتى لا يتم نشر كل ما يكتب تحت مسمى ( شعر) إلا من خلال التزكية، لكن للأسف هناك كثير من الأدباء يشجعون مثل هذا التقليد الذي يسود الحياة الإبداعية )).ويفسر الشاعر عبد الكريم الرازحي ذلك التشابه بـ(( كسل الشعراء )) ويقول في مقابلة له مع الأستاذ عبدالباري طاهر- منذ سنوات: ((إن مأساة الشاعر الجديد أن ينصت إلى خفقان الكتب وإلى تجارب غيره بدلاً من الإنصات إلى خفقان قلبه أو إيقاع حركة واقعه)).ويضيف بإسلوبه المتميز:(( اعترف أن هناك قصائد جميلة وأعمالاً إبداعية مدهشة في حداثتها كتبها هذا الجيل، لكن جميعها باستثناء القليل تفوح برائحة أزقة أخرى وأماكن غريبة، ويبدو لي أن الشعر العربي سينقرض كما انقرضت الزواحف إن لم يتوقف المبدعون الشباب عن الركض وراء موجات الحداثة، وإن هم استمروا في إبداع أشياء معلبة لها طعم ورائحة الدجاج المثلج)).