في ذكرى ميلاد الراحلة زينات صدقي
القاهرة/ متابعات:حلت يوم الثلاثاء الماضي ذكرى ميلاد الفنانة الكبيرة الراحلة زينات صدقي، حيث ولدت زينب محمد مسعد الشهيرة بـ (زينات صدقي) في 20 مارس 1913 في حي الجمرك بالإسكندرية، ودرست في (معهد أنصار التمثيل والخيالة) الذي تأسس من قبل الفنان زكى طليمات في الإسكندرية، لكن والدها منعها من إكمال دراستها وقام بتزويجها، ولم يستمر الزواج لأكثر من عام، وعملت في بداية حياتها (منولوجست)، وراقصة، واعترضت أسرتها على العمل في الفن، فهربت من أسرتها مع صديقتها خيرية صدقي إلى الشام، وحملت اسمها، ثم التقت بنجيب الريحاني الذي ضمها إلى فرقته وسماها زينات حتى لا تحمل نفس اسم زينب صدقي، كما مد لها سليمان نجيب يد العون، واشتهرت بأدوار العانس التي لا تتزوج.تزوجت (زينات) ثلاث مرات وآخر من تزوجتهم كان ضابط شرطة، وعاشت بلا أسرة وعملت في العديد من المسرحيات منها (الدنيا جرى فيها إيه)، كما عملت مع إسماعيل ياسين في عدد كبير من الأفلام والمسرحيات، وقل نشاطها السينمائي في أواخر حياتها، وفى عام 1976 حصلت على شهادة جدارة ومعاش استثنائي من الرئيس الراحل أنور السادات.زينات صدقي حالة خاصة في الكوميديا منذ بداية ظهورها، لم تتخل قط عن العانس، الباحثة عن فرصة زواج، هي صاحبة أجمل تعليقات كوميدية، فلا أحد ينسى أكثر مشاهدها مع النابلسي في (شارع الحب)، ومع إسماعيل ياسين في (ابن حميدو).عملت مع معظم الممثلين الكبار في تلك الفترة أمثال يوسف وهبي، إسماعيل ياسين، شادية، عبد الحليم حافظ وأنور وجدي، وتجاوز عدد الأفلام التي شاركت في بطولتها 400 فيلم، كما تم تكريمها بدرع (عيد الفن) من قبل الرئيس أنور السادات في 1976.حياتها كانت سلسلة طويلة من العمل والفشل والنجاح والثروة والفقر، ولم يبق من ذلك سوى حقيقة لا يختلف عليها اثنان، أن زينات صدقي أفضل من قدمت الكوميديا على شاشة السينما، وكان أول عمل لها دورها في مسرحية (الدنيا جرى فيها إيه)، واشتهرت في هذه الفترة بدور الخادمة سليطة اللسان، ونقلت نفس الشخصية إلى السينما. كان أول أعمالها السينمائية فيلم (وراء الستار) عام 1937، ثم قامت بتقديم أفلام عديدة وصلت إلى 150 فيلما، ومن بين أعمالها التي علقت بأذهان الجمهور (الآنسة حنفي)، (ابن حميدو)، (إسماعيل ياسين في الأسطول)، (حلاق السيدات)، والذي يعد الفيلم الوحيد الذي لعبت بطولته، مع نهاية الستينيات. بدأت زينات صدقي في الاختفاء التدريجي، ولم تظهر إلا في أعمال قليلة أشهرها فيلم (معبودة الجماهير)، وكان آخر أعمالها (بنت اسمها محمود)، وتوفيت في 2 مارس 1978، لتنطفئ أجمل ضحكة، لكن صداها لا يزال يتردد داخلنا، وقبل وفاتها جلست 16 عاما في بيتها من دون عمل.وكانت قصة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع زينات صدقي شاهداً على غياب أهل الفن عنها، فقد روى أن الرئيس عبد الناصر قرر أن يكرم نخبة من الفنانين ومن بينهم زينات صدقي، إلا أن المعنيين لم يستطيعوا العثور عليها، فما كان من الرئيس المصري إلا أن طلب من جهة أمنية إيجادها، ونجحت بالفعل في العثور عليها فى بيت متهالك فى أحدى القرى الريفية، وبدت في حالة يرثى لها، فكرمها الرئيس عبد الناصر وأمن لها مسكنا، ومعاشا حتى توفيت. كما روى أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات سأل الدكتور رشاد رشدي عن أسباب عدم إدراج اسم زينات صدقي بين الفنانين المقرر تكريمهم في العيد الأول للفن العام 1976، وكان الدكتور رشاد في هذا الوقت مدير أكاديمية الفنون المنظمة للحفل، ولم يجد ما يبرر به هذا السهو غير المقصود في حق فنانة ونجمة كبيرة انزوت داخل دائرة النسيان والتجاهل، ولم يعد أحد يسأل عنها، ومنتجو السينما ومخرجو التلفزيون لا يرشحونها للعمل، لدرجة أنها لجأت للقضاء تشكو مخرجا استبعدها في آخر لحظة من تسجيل دورها في أوبريت لزكريا أحمد، بعد ذلك قررت أن تعيش على هامش الأضواء والنجومية، أدركت أن الزمان لم يعد زمانها، عاشت عزيزة النفس وكانت تمتلك إرادة كافية وعزة نفس كبيرة، تمنعها من مجرد التفكير في تسول تمثيل دور، مهما كان عائده المادي، تدهورت ظروفها المادية بسرعة منذ منتصف الستينات من القرن الماضي، لكنها رفضت أن تتسول للعمل، كانت تبيع أثاث منزلها كي تأكل، وسمع بمأساتها الناقد الفني لجريدة الأخبار جليل البنداري، ونشر مقالاً عنها وكتب (لم أصدق أن فنانة عظيمة من تلميذات الريحاني يحدث لها هذا، إن أخف الممثلات دما تبيع أثاث بيتها قطعة قطعة من أجل الطعام). بعد 10 سنوات من نشر هذه المأساة... كرمها السادات، ودعاها لحضور حفل تكريمها، واستلام شيك بألف جنيه من الرئيس، ولم تجد في دولاب ملابسها فستانا مناسبا، لكنها حضرت الحفل بعد تدبير جيب وبلوزة، ومنحها السادات معاشا استثنائيا مدى الحياة، ورقم هاتفه الخاص للاتصال به إذا كانت في حاجة لمساعدة، عادت إلى منزلها الذي يقع في شارع جانبي متفرع من عماد الدين بوسط القاهرة، وقلبها يرقص من الفرحة والسعادة، أخيرا سوف تسدد ما تراكم عليها من ديون وتعيش بقية أيامها مستورة، وتذكرها المخرجون ومنتجو السينما ورشحوها لأعمال فنية، لكنها قالت بكبرياء: (آسفة أرفض الشفقة)، وبعد شهور من تكريمها تدهورت حالتها الصحية، وظلت 3 أشهر تصارع الآلام بسبب متاعب في الرئة وهبوط في القلب، ونصحها البعض بالاتصال بهاتف الرئيس لعلاجها على نفقة الدولة، إلا أنها رفضت بعناد وإصرار، ولفظت آخر أنفاسها يوم 2 مارس 1978 عن 66 عاماً.