بصرف النظر عن رأيي الشخصي بقرار مشاركة الطرف الجنوبي من عدمه في الحوار الوطني الموسع المزمع عقده في الأيام المقبلة تحت رعاية الرئيس التوافقي لليمن، ومن منطلق الضروريات الوطنية وحرصي الشديد الذي ينبع من الشعور بالمسؤولية كمواطن جنوبي تجاه قضيتنا الجنوبية العادلة التي أصبحت على قدر من التكامل في دائرة النضوج السياسي والنضالي ، على الرغم على أن هناك من يحاول جاهداً إفقادها بوصلة مسيرتها بإقحامها بجملة من عوامل الكذب والخداع من خلال إخفاء وتعقيد بعض تفاصيل حقائق تحديات الصراع الاستراتيجي الجوهري التي تواجهها حالياً القضية بمختلف جوانبها، بهدف ربطها بوهم آليات التسوية والإصلاحات التاريخية السياسية في المشهد اليمني ، وفي الحقيقة ربط القضية الجنوبية بمشروع التسوية يشكل اخطر واسوأ أنواع واقع القبضة الاستعمارية بشكل جديد أن حدث ذلك ، كما لا ننكر أن ثمة إشكاليات ومحناً داخلية طفيفة تعانيها القضية صحيح أنها ليس في إستراتيجية أهدافها لأنها قوية وشرعية بالإضافة إلى أنها محصنها بإرادة شعبنا الحر صانع القرار ، لكن تظهر الإشكاليات بين الحين والآخر مع اختلاف واحتكار غير مبرر للبعض في رؤى آليات الوصول إلى الهدف المرجو.ولا شك أننا إذا أمعنا النظر في ثنايا الإحداث المتسارعة في اليمن لوجدنا أن القضية الجنوبية تعيش في أسوأ مراحلها التاريخية من حيث استحقاقاتها المستقبلية مع هذا الخلط المخيف ،لأننا نتوقع ارتفاع وتيرة مستوى المؤامرات اليائسة من الطرف الشمالي الرامية لإثارة حماقة الفوضى في الجنوب عبر زحف تنظيم القاعدة التي تستخدمها أياد قوية متنفذة في الشمال سعياً لتفكيك القضية ولإخماد ثورة شعبنا، ولا يخفى عليكم من متابعة للتطورات السياسية في المشهد اليمني والتسوية السياسية التي تسعى لها حكومة صنعاء الواقعة تحت الهيمنة والوصاية الأمريكية السعودية من يدفع إلى عقد مؤتمر حوار وطني يضم كافة أطياف الأطراف اليمنية و بمشاركة ربما تكون شكلية لممثلين من القيادات الجنوبية ، وبالتالي لتجنب الانزلاق مجدداً يبقى علينا تقديم ما نعرفه عن التحليل المنطقي عن مفهوم مصطلح الحوار الوطني وتقديم أوجه الاختلاف مقارنة مع مصطلح التفاوض من حيث أهمية توصيفهما بالمفاهيم السياسية الواسعة ، ولذلك ينبغي تحديد خطورة كل منهما على حدة بمعانيهما ومعطياتهما الواسعة من معجم عالم المصطلحات السياسية وما يميزهما من أهمية لتلك المفردات في تحديد القضايا المصرية ، ولعل استخدام كل مصطلح يجب أن يكون حسب معايير وحجم ونوع القضايا ومشكلاتها ، كما أن في اختيار احد تلك المصطلحات ضرورة حتمية لتحديد المسار الواضح لأي طرف في أساس المشاركة في أي نقاش مع الطرف المعارض .فعلى سبيل المثال تعريف الحوار الوطني بالمعنى التقليدي هو صفة شرعية تستهدف الكبح السياسي للمعارضة باعتبارها فاعلة ،ويندرج ضمن عملية إستراتيجية وطنية جدلية يقُدم فيها تصور شبه كامل يشمل تشخيص وتدارس بعض المشكلات التي سببتها صراعات سياسية داخلية معينة ، تتشاور فيها الأطراف المتصارعة للخروج بوفاق واتفاق كامل مشترك لاحتواء تدهور وتفاقم الأزمات التي سببتها تلك الأطراف والفصائل السياسة المتنازعة والمتناحرة في الوطن الواحد تكون نتائج مخرجاتها حلولاً في إطار عملية تسوية شاملة لفض ذروة الصراعات السياسية التي تضر بالسيادة والمصالح الوطنية، ولذلك الحوار الوطني غالباً ما يتأثر بالرؤية السياسية المقدمة من الطرف الذي يسيطر على النظام السياسي ، ولذلك تبقى من فضائل الحوار الوطني أنها مرتكزة على مهارات الطرف الأقوى في خلق شكل تعددي لحكومة ديكورية ديمقراطية كنوع من التحايل السياسي لإشراك الفصائل والأطراف المهمشة سياسياً في السلطة تتقاسم بعض مراكز السلطة من حقائب وزارية محددة .ومن الطبيعي التنبيه والإشارة هنا إلى مصطلح الحوار الوطني الذي يدعو إليه الأشقاء في الشمال لا ينطبق ولا ينسجم على الإطلاق في الحالة الجنوبية بكافة جوانبها ، بمعنى أن القضية الجنوبية ليست قضية نزاعات فصائل بل قضية قانونية عادلة قضية سياسية بحتة مرتبطة باتفاقيات شراكة سياسية تم إبرامها بين الدولتين الجارتين قد انتهت اتفاقيات الشراكة فور شن الطرف الشمالي حرب ( ... ) الظالمة على الجنوب وبقاء آثارها إلى الآن ، فضلاً عن صيغة سقف الحوار الذي قد تم تحديده وإعداده سلفاً من قبل العناصر الشمالية من أصحاب المصالح والنفوذ القبلية المسيطرة على السلطة الفعلية عسكرياً وسياسياً وقبلياً والتي تحكم اليمن إلى وقتنا الحالي كحكومة ظل حتى بعد ثورة التغيير التي لم تحقق الكثير ، وما من شك في أنها مستفيدة من الهيمنة وضم الغنيمة الجنوبية .ولعل ما يمكن أن نقوله عن مؤتمر الحوار الوطني هو أنه نوع من فنون التسويف والمماطلة السياسية لأنه يندرج في الخط السياسي الثابت الذي تتبعه صنعاء تجاه الجنوب ، كما أن الحوار بكل تأكيد سيكون منضوياً تحت مظلة تعتمد على سقف الثوابت الوطنية المبنية على أسس متقاطعة مع إستراتيجية الأهداف الجنوبية ، وإمام هذه التحديات التي تتعرض إليها القضية الجنوبية في الحوار نجد ما هو اخطر يرافق دهاليز الحوار المبني على الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها ، وعلى أساس منطلقات وقناعات هزيلة مبنية على أساس ثقافة الإرهاب الفكري المدمرة (الوحدة أو الموت وعودة الفرع للأصل ) وهذه الثوابت كفيلة بنسف أي حوار يتطلع إلية الشماليون مع الجانب الجنوبي ، ولذلك تصبح مقدمات الحوار فاشلة والمشاركة فيه عملية عبثية وإهداراً للوقت وستكون نتائجها ودلالاتها الاحتوائية معروفة مسبقاً قبل الخوض فيها ، وبكل تأكيد مخرجات الحوار ستكون امتداداً وتكريساً لـ ( ... ) وستبقى نتائجه كحلول سياسية ترقيعية هشة ضد الطرف المغتصبة أرضه ولصالح المنتصر في الحرب .وحسب تصوري الشخصي المتواضع فانه إذا أراد الجنوبيون خوض تجربة المشاركة يجب أن تكون على أساس تفاوضي وينبغي تسخير كل الإمكانيات لفتح الأبواب إمام إي تفاوض مع الطرف الشمالي لكن يجب ضبطه ضمن حدود تفرضها المصلحة العليا للقضية الجنوبية بحيث يبقى الحوار التفاوضي يستند على بعض الإجراءات وهي شروط غير تعجيزية فيما إذا صدقت نوايا الأشقاء في الشمال ، سأذكر بعض منها :* الاعتراف بالقضية الجنوبية كقضية سياسية رسمياً بعيد عن المزايدات والشعارات.* الإسراع في إخلاء محافظة أبين من عناصر القاعدة التابعة للنظام السياسي اليمني دون قيد أو شرط .*سحب القوات الشمالية ألمستحدثة ما بعد حرب صيف 94 م من المحافظات الجنوبية التي تفرض الهيمنة و( ... ) على دولة الجنوب.*أن يكون التفاوض تحت غطاء وإشراف أطراف عربية ودولية .*مشاركة أطراف شمالية في الحوار التفاوضي مسألة في غاية الأهمية تتمثل بالأطراف التي شاركت في الحرب ضد الجنوب .*إسقاط الفتوى التكفيرية التحريضية.اختم مقالي بالقول إن على الأشقاء في الشمال من سلطة وقبيلة وشباب ثورة التغيير أن يطوروا مفاهيمهم لقيم الحرية والديمقراطية التي ناضلوا لأجلها بمعانيها الواسعة ..وكفاهم استغلالا طاقتهم العقلية في إنتاج الإرهاب الفكري الذي يتعاظم للعبث بأشقائهم الجنوبيين ..وعليهم أن يثقوا بأن قضيتنا الجنوبية ستبقى قضية إجماع وطني جنوبي راسخ بإيمان شعبنا العملاق بعدالتها وبحقنا الثابت في استعادة دولتنا ،ونؤكد لشباب ثورة التغيير في صنعاء أن التغيير الجذري هو سبيلهم و نحترم فيها تضحياتهم ، أما (...) فهو غايتنا ولن نتراجع عنه !! .
|
آراء
الحوار المشروط أسوأ أنواع القبضة الاستبدادية
أخبار متعلقة