الحياة لا تستقيم أبداً بدون منهج يكون هو المرجعية التامة دائماً، مسلم به وحده ولها وحدها، لجميع الآخذين به من عموم المجتمع، في كل الأمور، له الكلمة والقول الفصل في حياة مجتمعه، يحافظ عليه ويعمل به ولأجله ويسعى للتناغم معه.. ومع زيادة انتشار القنوات الفضائية كثرت المخاوف على مستقبل صناعة السينما، حيث يجد المشاهدون متعتهم في الرؤية المنزلية أكبر من الذهاب إلى دور السينما، لذا عملت السينما على منهج محدد يقودها إلى المستقبل الأفضل والفوز بالمشاهدين الكبار والصغار.لا تكف السينما في جميع أنحاء العالم عن اختراع الحيل والأساليب، لانتزاع المتفرج من مقعده أمام التلفاز، والخروج إلى السينما ومشاهدة أجمل أفلامها التي لم تعرض على الشاشة الفضية.ولما كانت السينما العالمية تدرك من خلال الأبحاث والإحصائيات أن النسبة الغالبة من رواد السينما حالياً هم جمهور الشباب، فقد تفتق ذهن خبراء صناعة السينما عن تحقيق هدف توسيع قاعدة المتفرجين، بجذب الأطفال وصغار السن إلى دور السينما!.والأطفال عادة لا يذهبون إلى السينما بمفردهم وإنما بصحبة الكبار.ومن هنا تبلور الهدف بضرب عصفورين بحجر واحد، أو بمعنى أدق اجتذاب الصغار والكبار إلى السينما، وتقديم نوعية من الأفلام ترضي الفئتين معاً، مهما تباينت فروق السن والإدراك والثقافة.فإذا كان الصغار هم القوة الدافعة لرواج هذه الأفلام باعتبار أنهم هم الذين يطلبون الذهاب إلى السينما، ويختارون أفلامهم المحببة إلى قلوبهم، من خلال تأثير الدعاية المكثفة والإلحاح على رغباتهم وفضولهم، فإن الكبار الذين سيتحملون ثمن تذاكر الدخول إلى دار السينما بصحبة صغارهم يجب ألا يشعروا بالخديعة، أو قلة العقل والمقام، بل يجب أن يحقق لهم الفيلم المتعة والبهجة والجاذبية كما يجب أن يحقق الفيلم الفائدة العلمية والثقافية للمشاهدين، ويلعب على الوتر الدفين في أعماقهم، وأن يداعب البراءة والدهشة، والعودة إلى سنوات الطفولة، بكل ما فيها من إحساس طبيعي بالترقب والانبهار والخيال!أي أن الفيلم، بالنسبة للكبار لابد أن يكون بمثابة غسل للهموم والمشاكل التي ينوء بها أي فرد في العالم واستراحة لإعادة التوازن والقدرة على مواصلة المسير.وبهذا الفيلم يجد المشاهد بعض القضايا التي تصادف مشكلته وتعمل على حلها.. ومن هنا نجد الفهم النفسي والاجتماعي لنوعية رواد السينما، شغل خبراء الصناعة بالبحث عن الصيغة أو التركيبة المقبولة عند الصغار والكبار، وهي بالتأكيد مسألة صعبة، فأي خطأ أو تجاوز في التركيبة الفنية من الممكن أن يفسد العمل تماماً، ويجعله مرفوضاً وفاشلاً تجارياً.[c1]تجاوز القيم السائدة[/c]قد تكون الفضائيات العربية التي تقوم بعرض الأفلام السينمائية تعمل على تجاوز الكثير من القيم السائدة بعد أن أخضعت عمليات الإنتاج لحسابات الربح والخسارة والعرض والطلب.. وكيفية تسويق النجوم الصغار والكبار ووجوه جديدة على حساب الكثير من المفاهيم الدرامية المتعارف عليها، ولا تعير اهتماماً للعديد من القيم الإنتاجية وتقدم ما تراه مناسباً لها ولظروفها الخاصة وهناك أعمال كثيرة يمكن العودة إليها في هذا السياق مثل المسلسلات الاجتماعية التي تعتمد على أسماء النجوم وغيرها.. ومن جانب آخر هناك أعمال يمكن أن تشكل أرضية درامية للبناء عليها مستقبلاً وتقديم العمل الدرامي المتكامل أو على الأقل الأقرب إلى الكمال.وهكذا نجد أن بعض الأفلام السينمائية التي تعرضها شاشات الفضائيات تحتوي على أفكار جريئة وجديدة لم تضعها دور السينما من قبل مثل قضايا المرأة والجريمة وقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها من القضايا التي تحتاج إلى حلول وأفكار جديدة وجريئة.والمسألة هنا لا تحتاج إلى كل ما حدث إذ ليس هناك ما يدفع إلى ابتداع الحلول وخلق مجتمع مثالي بعد كل تلك الصراعات وكأن شيئاً لم يكن.. النهايات المفتوحة هي أبلغ رسالة يمكن أن توجه من خلال هذا المسلسل وغيره على اعتبار أنه ليس مجرد حكاية وتنتهي وإنما قضية تحتاج إلى طرح ونقاش وحلول من قبل المؤسسات الاجتماعية أي من بيدهم الأمر.. فالصراع على الورق يبين مجموعة متناقضات أو متضادات في العمل الدرامي تشكل صوراً للصراع الحقيقي على الأرض وإلا ما معنى العمل الدرامي خارج هذا الإطار؟إن التفكير الدرامي يعني أيضاً أن تختار موضوعات تصلح للمعالجة وتصب في خدمة مجموعة الأهداف التي تحتوي على قضية تهم المجتمع وتكون صالحة للمعالجة ومضمونها حل هذه الأزمة التي تحدث في مجتمعنا العربي ومنها قضايا العمل والبطالة وقضايا الشباب وانتشار الجريمة والسرقة والمخدرات وأعمال النصب والاحتيال.[c1]الفنان الشامل[/c]وفي صناعة السينما اليمنية الحديثة ظهرت قدرات وإمكانات فنانين لعبوا دوراً مهماً في صناعة الفيلم السينمائي القصير من خلال بداية النقلة النوعية للسينما اليمنية والتي أخذت طابعاً خاصاً وأصبحت محل اهتمام كل المتذوقين للفن في السينما اليمنية.. لذا من الضروري قيام معهد لصناعة السينما في اليمن حتى تتطور قدرات الجيل الجديد الذي يعمل مع رواد الحركة الفنية المسرحية والسينمائية من أجل تحقيق طموحات كل الفنانين وذلك بإنشاء سينما يمنية متميزة فلا أقل من وجوده الآن خصوصاً وأن البنية التحتية لحركة السينما موجودة ومتعطشة لمزيد من العطاء الفني الذي يعبر عن حضارة الأمم، ولا شك في أن السينما ضرورة ملحة وهي في الحقيقة استكمال لصورة أية أمة وأنا مؤمن إيماناً راسخاً بأن نهضة سينمائية في أي بلد عربي هي في الحقيقة نهضة لأمة العرب.أهم ما وصلت إليه الحركة اليمنية في صناعة السينما الحديثة والوثائقية الآن أنها تأسست في شكل السينما الوثائقية السياحية والفيلم السينمائي القصير، وهي تخضع لنظام جمعية السينمائيين اليمنيين وتستمد حركتها وحيويتها من الدولة في صيغة تدعيم مادي سنوي بالإضافة إلى تقديم جهود فنية رائعة استطاعت أن تمثل دولة اليمن في المحافل العربية العديدة بما لفت النظر إلى السينما اليمنية الوثائقية والسياحية والفيلم اليمني القصير، وربما تكون هناك أعمال تجارية ولكنها في الوقت نفسه تعتبر أعمالاً ذات قيمة فنية وتجارية كالأعمال التي قدمها الشباب من عشاق السينما الذين اعتمدوا على ميزانيتهم الخاصة في صناعة الفيلم السينمائي القصير.. وقد عمل هؤلاء السينمائيون الشباب معاً في حركة دائبة رغم ما قد يعتري بعض الأعمال الخاصة من خروج عن دائرة الالتزام.ولا يبقى في النهاية إلا تضافر قوى الفنانين الإبداعية مع المسؤولين في تقوية صناعة السينما اليمنية نحو تقوية البناء السينمائي الذي هو من دعائم الأمم المتحضرة نحو آفاق متميزة بالعطاء ومد إبداعي إنساني على مدى الزمن.
|
ثقافة
كيف نعيد الحياة إلى دور السينما؟!
أخبار متعلقة