نبض القلم
إن الخطر الذي يهدد البشرية اليوم وفي المستقبل ليس ناجماً عن تفجيرات ذرية، أو غيرها من الأسلحة المدمرة فحسب، بل هناك ماهو أخطر منها، ألا وهو خطر التلوث البيئي الذي يهدد البشرية بالفناء. وخطر التلوث البيئي هو الذي يقلق الإنسان في أيامنا هذه. إن عالم اليوم يعيش في قلق من جراء الإخفاقات التي تحول دون جعل الأرض أكثر أماناً، وأكثر نقاء، وهذه الإخفاقات ناجمة عن الأساليب الخاطئة التي يتبعها الإنسان المعاصر للسعي وراء الرفاهية، فالموارد الطبيعية التي وهبنا الله إياها وأودعها في الأرض منذ ملايين السنين يستنزفها الإنسان المعاصر بصورة سريعة، فهو يستهلك خيرات الأرض بصورة مذهلة، تنبئ بخطر يتهدد نظام الحياة في هذا الكون الذي صنعه الله بإحكام ليكون دلالة على وجودة وعظمته ووحدانيته. إن بعضاً من الشعوب الفقيرة في هذا العالم يجبرون على استنزاف مواردهم الطبيعية في سعيهم للحصول على القوت اليومي غير مدركين أن استنزافهم لموارد البيئة يؤديهم إلى المزيد من الفقر، لأن الرفاهية المؤقتة التي قد تتحقق لبعضهم تكون محفوفة بالمخاطر، بسبب لجوئهم إلى إجهاد البيئة نتيجة الطلب المتزايد على الموارد الشحيحة، فهم يقطعون الأشجار لبيع حطبها وخشبها، ويستنزفون أراضيهم الزراعية لغير أغراض الزراعة، ويستغلونها لأغراض البناء أو لإقامة المنشآت الصناعية أو التجارية عليها. وهم أيضاً يتزاحمون على المدن بأعداد كبيرة تاركين الأرض الزراعية بوراً، وفي المدن يعيشون في أحياء بائسة، أو في أكواخ حقيرة، غير صحية، تفتقر إلى المياه النقية، وإلى أبسط الخدمات الضرورية، فيصبحون عرضه للأمراض الخطيرة التي تفتك بهم نتيجة إهمالهم لبيئتهم، وإعراضهم عن زراعة أرضهم التي تفضل الله بها عليهم. ونحن في اليمن نلوث بيئتنا بطرق عديدة، ونعرض أنفسنا لمخاطر كثيرة دون أن نشعر بتلك المخاطر، وربما نكتشف ذلك بعد فوات الوقت حين لا يكون في وسعنا أن نفعل شيئاً. لقد وصل التلوث الناتج عن بعض المصانع في بلادنا إلى مستويات مزعجة، بما تخرجه من نفايات سامة ودخان كثيف مضر بصحة الإنسان والحيوان والنبات، وليس هناك حسيب أو رقيب من أجهزة الدولة. وفي بلادنا آلاف السيارات القديمة والآليات التي تزدحم بها شوارع المدن، فتنفث عوادمها الغازات السامة كل يوم، فيتلوث الهواء بغاز ثاني أكسيد الكربون السام، ومركبات الرصاص الخطيرة، مما يعرض حياتنا وحياة أطفالنا للخطر من جراء التلوث البيئي، وليس هناك ضوابط تضبط هذه العملية، فإذا كانت السيارات عند بعضنا نعمة، فهي بالنسبة لنا نقمة، لأننا بسببها نخسر أنفسنا. وانتقال آلاف الأشخاص من الريف إلى المدينة عامل آخر من عوامل تلويث بيئتنا، إذ يؤدي ذلك إلى ازدحام المدينة بالناس، ويجعلها تمتد إلى خارج حدودها مما يستوجب إمدادها بالكثير من الخدمات، وقد لا تكون قادرة على الوفاء بها. فتنشأ عن ذلك مشكلات بيئية كثيرة، بعضها تتعلق بالنظافة، وبعضها تتعلق بتصريف القمامة والمخلفات، مما يجعل بيئتنا ملوثة بصورة دائمة.وإلى جانب عدم الاهتمام بالشجرة نجد استنزافاً كبيراً للمياه الجوفية في كثير من مناطق بلادنا، فقلما نجد أشخاصاً يعنون بزراعة الجنائن والاحواش أمام بيوتهم،وقلما تجد الأشجار المغروسة في الحدائق العامة عناية من القائمين على شؤون تلك الحدائق.ونظرة إلى ساحات مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية نجدها تخلو من الحشائش والأشجار، وكذا الحال في ملاعب الأطفال - إن بقيت هناك ملاعب في ظل التزاحم على الأراضي ـ سوف نجدها تفتقر إلى أشجار الظل والزينة.ومن ينظر إلى الساحات العامة والفضاءات بين العمارات السكنية يجدها تستقطع لأغراض البناء، بدلاً من زراعتها بالأشجار الظليلة والنباتات المزهرة والحشائش الخضراء، لتكون رئة المدينة ومتنفسها.ومن يطف في أراضينا الزراعية الخصبة، فسيتحسر على ما أصاب بعضها من إهمال أدى إلى خرابها، بسبب انصراف الناس عن الزراعة ولجوئهم إلى المدن، لقد تهدمت جدران السواقي والمدرجات، وجرفت السيول التربة، وجفت الأشجار أو اقتلعت من حوافي الوديان، وتخربت بعض الآبار أو جفت نتيجة الإهمال، فإذا ظل الحال هكذا تعرضت بيئتنا للتصحر ما يؤدي إلى تقلص الرقعة الزراعية سنة بعد أخرى.فما أحوجنا إلى حماية بيئتنا من التلوث، وما أحوج بلادنا إلى القوانين الهادفة الحفاظ على البيئة، وتفعيل القوانين النافذة، كقانون المحافظة على الموارد الطبيعية، وقانون السيطرة على المواد السامة، وقانون التلوث البحري، وقانون التعويض عن أضرار التلوث البيئي، وغيرها من القوانين.إنه لا يكفي صدور بعض القوانين المتعلقة بالبيئة ما لم يتم تفعيل تلك القوانين، نريد قوانين ضابطة لسلوك الناس حتى لا يلوثوا البيئة، ونريد إشرافاً حكومياً على المصانع والورش والمعامل للحيلولة دون تمكينها من تصريف نفاياتها بالصورة التي تضر بالبيئة.نريد تكثيف العمل لخلق أجيال واعية بمخاطر البيئة الملوثة، وذلك بجعل التربية البيئية جزءاً أساسياً في المناهج الدراسية في التعليم العام.ويجدر بنا في هذا المقام الإشارة إلى الجهود المبذولة من قبل جمعية حقوق الطفل في عدن، حين قامت بتنظيم ورشة عمل حول البيئة وحماية المناطق الرطبة، في الفترة من 29 ـ 30 من الشهر الجاري يناير 2012م وكان من بين أبرز توصياتها الدعوة إلى جعل التربية البيئية جزءاً أساسياً من المقررات الدراسية في التعليم العام، وحسناً فعلت الجمعية، وهو ما نرجو أن يتحقق على أرض الواقع.