- لن أُجانب الصواب لو اجزمت بأن المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية مثلت مخرجاً حفظ ماء وجه الجميع، وأنها فعلاً جاءت لتلبية تطلعات جميع الراغبين في التغيير المرتكز على البناء لا الهدم، والتعمير لا التدمير، والتطوير لا التأخير، فالعناصر السلبية في الهدم والتدمير والتأخير التي تم انتهاجها في المرحلة السابقة من قبل قلة من المسئولين هي من جعلت جموع الشباب تخرج لتعبر عما يجيش في خاطر الكثيرين، لكن هناك من اندس بين الشباب وحرف مسار مطالباتهم التي بدأت في الأساس مشروعة وفي إطار سلمي.- إن الأشخاص الذين وجهوا الشباب توجيهاً خاطئاً وفق مصالحهم الشخصية، هم نفسهم اليوم الذين يريدون حرف مسار المطالب المشروعة التي خرج بعض الموظفين منادين بها في ظل مسار التغيير الذي ارتضى به الكل، ولكن وبنفس الأدوات وبذات الكيفية حتى أن اللعبة أصبحت مكشوفة ومسرحية لم يتم إخراجها بصورة جيدة وتنقصها الحبكة الدرامية ليؤثر المشهد في عموم المواطنين، ففحواها يقول: ما عجزنا عنه في الرئاسة فلنطبقه في المؤسسات.- ولهذا فالمبادرة الخليجية تقع في منطقة وسطى بين الملتفين حولها والملتفين عليها، فالملتفون حولها لا يهمهم مصلحة زيد أو عمر بقدر ما يهمهم أن يبلغوا الانتخابات الرئاسية المبكرة لأنها تمثل المحك الرئيس لبدء نفاذ المبادرة، لأنه بانتخاب رئيس جديد نكون فعلاً قد سلكنا الطريق الصحيح، ولكن كيف لنا أن نسلكه وهناك من ينصب الأسلاك الشائكة أمام كل نقطة تقدم تحرزها حكمة الوفاق الوطني واللجنة الأمنية؟.- الالتفاف حول المبادرة لا يتوقف على النيات الحسنة بل ينبغي ترجمة تلك النيات إلى خارطة طريق ملموسة على الواقع، ولهذا فعلى حكومة الوفاق الوطني أن تعي أنها المسئولة أمام الشعب والأشقاء والأصدقاء، وقبل هؤلاء جميعاً أمام المولى عز وجل، فلا يعقل أن ما يعمره الوزراء المجتمعون في مائدة مجلس الوزراء يهدمه التابعون لهم في الساحات والمؤسسات الخدمية والايرادية والتعليمية، فهذا هو الازدواج بعينه، فلن يستقيم الحال إلا إذا طبق أنصار كل حزب ما ارتضى به وزراؤه.- أما إذا ما خرج علينا احد الأحزاب ليخاطب العالم بأنه لا يستطيع السيطرة على أنصاره الذين في الأساس خرجوا بحسب توجيهاته، حينها فقط يمكننا أن نقول لذلك الحزب انك في الموقع الخطأ وان إشراكك في العملية السياسية جاء نتيجة إيهامك للعالم بأن لك قاعدة شعبية تستطيع إخراجها وإعادتها متى ما شئت.- المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة جاءت لتعالج قضايا وتشرع في حلها، لا أن نساهم برعونتنا في خلق فوضى جديدة، فإذا كان الأشقاء والأصدقاء صاغوا المبادرة لإنهاء حالة الفوضى فكيف بنا نستبدل فوضى الشارع بفوضى المؤسسات، فالمؤسسات ليست ملكاً لمؤيدي المؤتمر وحلفائه حتى يستهدفها مؤيدو المشترك وشركاؤه، إنما هي ملك الأمة، ولهذا فإن إسقاطها هو تطبيق حرفي لشعار الساحات في إسقاط النظام، وإذا ما أسقطنا النظام المؤسسي فماذا بقي لنا؟.- (الفاسدون يجب أن يرحلوا) كلمة حق ينبغي أن تكون من اجل إرساء الحق، لا كلمة حق يراد بها باطل، كلنا نعلم أن هؤلاء المسئولين لم يعينهم آباؤهم، ولكن الحكومة هي التي قامت بتعيينهم، وهي نفسها فقط المخولة بعزلهم، أما إذا ما استغل كل منا مجموعة من المتعاطفين معه لإسقاط هذا المسئول أو ذاك، فلن يكون من ذاك المسئول إلا الاستنجاد على نفس الشاكلة بمن يتعاطفون معه، وعندها فقط سندور في حلقة مفرغة من الفوضى التي لا نهاية لها، وحينها سينجح الفاسدون في تصوير الانتقادات الموجهة إليهم بأنها كيدية أو انتقامية، ولهذا فما على أصحاب المظالم إلا إيصال أصواتهم بصورة حضارية، وستكون أكثر تأثيراً من التخريب الذي لن يستفيد منه إلا المنتفعون فقط.- أقرت الحكومة إحالة قانون التدوير الوظيفي إلى مجلس النواب لمناقشته وإصداره في غضون ثلاثة أشهر، وهو أمر رائع، لأنه لُب القضية وجوهرها، ولكن إذا ما كان يقصد بالتدوير الوظيفي نقل المسئول من وزارة لأخرى أو من محافظة لمحافظة ثانية، فإن القانون حينها لن يأتي بجديد بقدر ما يكون وفر للمفسدين مواقع استرزاق جديدة. أولاً يجب حصر المدانين بتهم الفساد وإحالتهم للجهات المختصة، وثانياً إحالة كل من تجاوز السن للتقاعد، وثالثاً تمكين أبناء المحافظات لأنهم أدرى بحاجات محافظاتهم، ورابعاً وهو الأهم أن ينال الشباب نصيبهم غير منقوص، وبين هذا كله ردع من تسول له نفسه الإضرار بمؤسسات الدولة عبر نشر الفوضى فيها، لان الفوضى أيضاً نوع من أنواع الفساد.- إذا ما تمسكنا بالالتفاف حول المبادرة سننجح، أما إذا ما اصررنا على أن نضع قدماً حولها، والقدم الأخرى في الالتفاف عليها، فحينها فقط نستطيع القول إن العيب ليس في المبادرة، ولكن العيب في النوايا السيئة التي أردنا بها كسب أشياء محددة منها، إما الوقت وإما المحاصصة، والأخطر أن يكون للإعداد لما هو أنكى مما مررنا به طيلة الأشهر الماضية.- مسيرات كثيرة بتنا نسمع عنها: كـ (الحياة) و(الكرامة)، ناهيك عن جمع (الستين) و(السبعين)، وجميعها بلا استثناء لا تخدم إطلاقاً تطبيق المبادرة الخليجية في هذه المرحلة، فوجودها بحد ذاته يعني أن النفوس ما زالت متوجسة ومترقبة بل ومتربصة، وهذا لن يخدم بأي حال من الأحوال أُول مؤشرات التغيير والمتمثلة في الانتخابات الرئاسية المبكرة، التي يفترض أن نهيئ لها الأرضية المناسبة، لكي نرسي عليها مداميك التغيير المنشود، فلنلتف جميعاً حول المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة كمنظومة متكاملة ولندع الالتفاف عليها بالطرق التي أضحت مكشوفة للعالم.[c1]* باحث دكتوراه بالجزائر[/c]
|
تقارير
المبادرة.. بين الالتفاف حولها وعليها
أخبار متعلقة