من وحي الذكرى الـ(19) لوفاته
كابتن / عصام عبده عمرنزلت من الطائرة في مطار القاهرة الدولي وتوجهت بالتاكسي إلى فندق (الكونشننتال) وفي الطريق كنت أنظر من النافذة إلى شوارع القاهرة الواسعة ولا أدري ماذا سيكون مصيري وسط هذه المدينة الكبيرة ... لا أعرف أحداً وليس لي قريب أو مصاريف ، وفي الفندق سألت عن اليمنيين الموجودين بالقاهرة.. وذهبت إلى البعثة اليمنية ولم أكن أملك في جيبي سوى ( مئة جنيه) فقط .. وبدأت أسأل عن مدرسة ، أي مدرسة أدخلها للدراسة ودخلت مدرسة قصر النيل الإعدادية والتحقت بعدها بمدرسة ( سبيل الخازندار) وحصلت على الشهادة الإعدادية ودخلت بعدها مدرسة الإبراهيمية الثانوية .ومرت ( 3) سنوات لم أفكر فيها لعب الكرة وكان همي الوحيد أن أدرس حتى أحقق رغبة والدي بالحصول على الشهادة الجامعية من القاهرة .. وفجأة تسلمت تلغرافاً مرسلاً من والدي يخبرني فيه بوفاة والدتي .. بكيت كثيراً وتساقطت من عيني الدموع الغزيرة وأخفيت خبر الوفاة عن زملائي بالمدرسة فقد كانت ( والدتي) هي كل شيء في حياتي.. وانقلبت حياتي رأساً على عقب وكرهت المدرسة، أضربت عن الأكل وأثر هذا على صحتي كثيراً فمرضت بالتيفوئيد .. ورقدت 4 أشهر بالسرير لمعالجة هذا المرض ولم أدخل الامتحان ورسبت وفصلوني .ثم جاء العام الدراسي .. وعرف ناظر المدرسة بحالتي وسمح لي بالعودة إلى المدرسة على أساس أن أدرس السنة التي رسبت فيها من بدايتها وعلم أيضاً من بعض زملائي أني كنت العب كرة القدم .. فشجعني على اللعب مع فريق المدرسة ولعبت وكنت موفقاً جداً وساهمت في نيل المدرسة كأس الجمهورية.. وكان كل زملائي يجدونني دائماً حزيناً لأن ( والدتي) الله يرحمها ، تملكت كل مشاعري حتى وأنا العب أتخيلها .. والمدرسين حاولوا أن يشغلوني بالكرة .. وحاول أحد أصدقائي أن يشركني في فريق النادي الأهلي وذهبت معه للنادي ولكني رفضت اللعب ، لست لاعباً ولن أنهي حياتي لاعب كرة خاصة بعد خطاب والدي أرسله لي ليطمئن علي قال فيه: (عاوزك تأخذ الشهادة وترفع اسمي كأكبر أبنائي وتكون قدوة لأخوتك) .وحاول صديقي مرة أخرى لالتحق بنادي الزمالك ولم أمانع وقابلت مدرب الأشبال .. ولعبت مع فريق تحت 16 سنة كجناح أيمن في مباراة بين الزمالك والأهلي وسجلت هدفاًُ وانتهى الموسم ، كنت العب لأشغل وقتي فقط ولم تكن بالنسبة لي: حينها ( هدف أسعى له).. إلى أن حضر مرة إيفان مدرب الفريق الأول للزمالك مباراة بين شباب الزمالك والترسانة وسجلت فيها 5 أهداف وبعد انتهاء المباراة هنأني وقال لي: «أنت لاعب كويس بس باين عليك مش غاوي كرة.. لازم تحب الكرة علشان تبقى لاعب كويس جداً وتلعب مع الفريق الأول».. و حسيت أن هذه الكلمات ترن في أذني ، كل هذا وأنا لا أعرف أين العب وفي أي مركز وكان مستواي متوسطاً وفي مباريات أخرى كنت أسوأ اللاعبين. حتى جاءت مباراة (الزمالك والأهلي) على كأس مصر عام 1959م.. جاءني الكابتن عصام بهيج قبل المباراة بيومين ليقول لي .. احضر التمرين مع فريق الكبار الأول وقلت له ( لن العب أنا عارف أني لعبت مع الأشبال وكنت أسوأهم) لكنه أكد لي أنني سألعب في مباراة الكأس .. وحضرت التمرين ولكنهم لم يضعوني في قائمة اللاعبين فذهبت للسينما وسهرت بعدها وفي صباح يوم المباراة قابلني الكابتن عصام ولامني لأني لم أحضر محاضرة الفريق وسكت .. وأخذني لنلعب طاولة حتى الساعة الثانية وصحبني إلى حجرة خلع الملابس وكان موجوداً بالحجرة المدرب ( إيفان) الذي قل لي: أخلع ملابسك والبس الفانلة وعاوزك تلعب الكرة اللي في دماغك وتصوب على المرمى وقلت إنني غير متمرن وطمأنني بأنني سألعب ربع ساعة فقط.لعبت في أول شوط ومرت ربع ساعة ولم يستدعني ( إيفان) وفي فترة راحة الشوطين جاءني نور الدالي .. وقال لي أكمل المباراة أنت كويس وقوي ولازم تجيب جول، وفكرت وقلت في نفسي لازم أثبت وجودي ولعبت وسجلت هدفاً رائعاً وهزمنا ( الأهلي) 2 / 1 وأخذنا الكأس واندفع الجمهور نحوي ليحملوني على الأعناق .. وكانت هذه بداية شهرتي في الملعب وبداية حب الجماهيرلي.“ هذه الحكاية كما رواها شخصياً الكابتن علي محسن مريسي في شهر مايو 1966م لشيخ النقاد الرياضيين الأستاذ القدير محمد عبدالله فارع وذلك في مدينة عدن رحمة الله عليهما..” آمين يارب العالمين.