قصة قصيرة
أمين خيرالدين لم يستطع محسن الصديق أن يلغي رغبته في أن يكون نسله كله من الذكور، رغم أن البنت أكثر حنانا على أهلها، وأنها تملك من القدرات ما يملكه الصبي، وأحيانا أكثر، ربما تكون هذه الرغبة متأصلة عنده منذ صغره حيث نشأ وحيدا مع خمس من أخواته، كنّ أكبر منه عمراً، كانت له الأفضلية عليهن في الكلمة الحلوة، والهدية، والأكلة والسفرة.عندما تزوج كرس الليلة الأولى من زواجه يدعو الله أن يكون نسله كله ذكوراً.وبعد أسبوع من زواجه قرر أن يناقش الأمر مع زوجته هالة التي تشبه إلى حد كبير هيفاء وهبي، وربما تزيدها جمالا بقدها المياس،،وعينيها الخضراوين، وشعرها الحريري الطويل الذي يغطّي ظهرها ويزيد.اشتد النقاش بينهما فازداد عنادا وتمسكا برغبته، وطلب منها أن تبذل كل ما باستطاعتها كي تحقق له رغبته.قالت له:-(الأمر ليس بيدي، وأنت تعرف ذلك، إنها مشيئة الله، ويجب أن ترضى بما يبعثه رب العالمين).لكنه أصر على أن يكون أبناؤه ذكورا، يسدون عين الشمس إن زاغت، ويستفزون ظلالهم إن طالت، وانه يحلم بأبناء أشداء كعنترة العبسي، وأقوياء كشمشون الجبار، وأغنياء أكثر من أي رئيس سلطة محلية!سكتت أمام إصراره وعناده، وللسكوت وضوحه ومعانيه، سكتت رغم عدم موافقتها، وعدم اقتناعها، كي تطفئ حربا عائلية قد تشتعل في الأسبوع الأول لزواجها، وقد تحرق كل شيء، حرب هي في غنى عنها.وبعد أقل من سنة من زواج محسن الصديق وهالة أنجبت له بنتا أكثر جمالاً من أمها، تقول للقمر اذهب في إجازة مفتوحة، وأنا سأتكفل بملء الفراغ الذي يتركه غيابك في عيون العشاق.عاتبها محسن الصديق على فعلتها، وقال إنها طعنته في ظهره بهذه المخلوقة الأنثى، وأنها خيبت أمله، وخنقت أحلامه، وبدلا من أن يأخذ المولودة بين يديه ويبتسم لها، ويقبلها، أو يحمد الله على سلامة زوجته، طرق الباب وخرج غاضبا يتمتم بكلمات غير مفهومة.لكنه لم يزد على ذلك، وفضل ألا يعاتبها أو يتحدث معها، علّها تصلح خطأها في المرة القادمة، وظل يرميها بنظرات العتب والاحتجاج، نظرات حادة كالسكاكين، تقطع في لحمها، تنطلق من عينيه مشحونة ببركان من الغضب، تعلن عن وجودها كلما أقبل نحوها.وبعد أقل من سنة، أنجبت له بنتا ثانية، لا تقل في جمالها عن أختها، فأقسم أنه لن يزورها في المستشفى، ولن يبارك لها، ولن يساهم في تسمية البنت، وحين عادت هالة إلى البيت مع ابنتها، طلبت منه أن يختار لها اسما، واقترحت أن يسميها على اسم أُمه، فرد عليها:-(سمها ما شئت، فهي ابنتك، ولست مسؤولاً عن أحد).وحين قالت له:-( اتق الله في بناتك)قال: “أنا مؤمن وأتقي الله ولست بحاجة إلى من ينبهني.أجابته: كلامك، وما يبدو في عينيك، وعلى ملامحك لا يدل على الإيمان!استشاط غضباً وصرخ بها :-(لم يخلق من يعلمني الإيمان).وأقسم أنه سيطلقها إن هي أنجبت بنتا ثالثة!ولكونه رجلا منظماً، لا يخلف ميعاداً، أنجبت زوجته بعد أقلّ من سنة بنتا ثالثة. قال: ( إذا أرادت هالة أن تعود إلى البيت بدون ابنتها، فأهلاً وسهلاً، أما مع ابنتها الثالثة، فبيت أهلها أولى بها، ويتسع لها ولعشر بنات مثلها ومثل بناتها).عادت هالة مع بناتها الثلاث إلى بيت أهلها راضية بقدرها مهما كان كئيباً.وبعد شهر نسي محسن الصديق ما قال، ولجأ إلى أصحاب الفضل يرجوهم إصلاح ذات البين مع زوجته، وإعادتها إلى البيت، وعندما عادت نسي قسمه وما قال عن عودتها إلى بيت أهلها، واستقبلها استقبال المحبين، لكنه تجاهل بناته، ولم يبتسم لواحدة منهن، فانطوين، رغم صغرهن،وعيونهن تشتعل حزنا.لكنه بعد أقل من شهر، حين كان جالسا في الظلمة، لا يراه أحد، ولا يرى أحدا، يكرج حبات سبحته الحبة تلوي الأخرى، يردد مع نفسه (بنت..ولد.. بنت.. ولد..بنت) ولما لم يغير ترتيب العد، لم تتغير النتيجة النهائية، ولم يأت الصبي، تملكه اليأس والغضب فطلق محسن الصديق زوجته بالثلاث!!! .