نبض القلم
بدأ اهتمام العالم بعمل الأطفال منذ زمن بعيد، وتحديداً منذ عام 1919م حين أبرمت أول اتفاقية دولية لتحديد الحد الأدنى للسن التي يجوز فيها تشغيل الأطفال. ولكن هذه المشكلة أخذت مزيداً من الاهتمام العالمي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، لكونها بدأت تأخذ أبعاداً إنسانية واجتماعية واقتصادية، خاصة في الدول النامية التي يتدنى فيها دخل الفرد، ويتزايد عدد الأسر التي تعيش تحت خطر الفقر. ولقد احتلت هذه المشكلة حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام المختلفة، التي أخذت تنتقد الإساءات التي يتعرض لها الأطفال والأضرار التي تصيبهم في أثناء العمل، وتفضح الانتهاكات التي يتعرضون لها في العمل. وتزايد الاهتمام الدولي بقضية عمل الأطفال بعد صدور الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1989م، وصدور إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل عن الأمم المتحدة عام 1998م، والذي يعتبر القضاء على عمل الأطفال شرطاً في المعاملات التجارية، فدعا إلى رفض البضائع التي يشارك الأطفال في صنعها. وفي النطاق العربي بدأ الاهتمام الجاد بقضية عمل الأطفال عام 1992م، بعد الاجتماع الوزاري الذي عقد في تونس في نوفمبر من العام ذاته، والذي شارك فيه ممثلون من المنظمات الدولية المعنية بالأطفال، كمنظمة ( اليونسيف ) وتقرر في هذا الاجتماع محاربة عمل الأطفال، وعدم السماح به في النطاق الإقليمي والقطري. وتكمن خطورة عمل الأطفال في كونه يسلب الإنسان طفولته التي يفترض أن تكون مخصصة لنمو الطفل وتعليمه ورفاهيته ولعبه، إذ أن عمل الأطفال من شأنه أن يحرم الطفل حقه في التعليم، كما أنه يتنافى مع بنود حقوق الطفل الدولية، إلى جانب ما يحصل للطفل من أضرار صحية ونفسية. وإذا نظرنا إلى المهن المختلفة التي يضطر فيها الأطفال للعمل مجبرين بدافع الفقر والحاجة والعوز، ووقفنا لنتأمل في مخاطرها والعواقب الناجمة عنها، فإننا نجد أن أكثر المهن التي يشتغل فيها الأطفال في بلادنا تنحصر في فلاحة الأرض وهو عمل شاق ومجهد بالنسبة لهم ويتعرض فيه الطفل لإصابات جسيمة ، كما يضطر بعض الأطفال للعمل في الورش والمعامل وفيها يمارسون أعمالاً شاقة ومرهقة ولأوقات طويلة وربما يتعرضون فيها لإصابات العمل وبعضهم يعملون في جمع القمامة أو الأشياء المستخدمة أو المستعملة كالقوارير الفارغة والكراتين وعلب الصفيح وغيرها ، وفيها يتعرضون للحروق أو الجروح وضربات الشمس المحرقة ، وبعضهم يعملون في تجارة الأرصفة لبيع البضائع أو مسح الأحذية أو جر العربات أو نحوها وفيها يتعرضون للعنف والاستغلال - وبعضهم يعملون في وسائل النقل كالباصات، فيضطرون للعمل لأوقات طويلة مقابل أجور زهيدة، وفيها يتعرضون للإيذاء البدني وربما الجنسي، وبعض الأطفال في القرى الساحلية يضطرون للعمل في صيد السمك، فيبقون لأوقات طويلة يتعرضون لأشعة الشمس اللافحة، وربما يتعرضون للغرق أو الإيذاء الجسدي والتحرش الجنسي. وإذا بحثنا في الأسباب المؤدية إلى عمل الأطفال في بلادنا، فإننا نجدها تحدث نتيجة تدني دخل الأسرة أو للتفكك الأسري، أو كثرة ديون رب الأسرة ما يضطره لإجبار الطفل على العمل نظير سداد الدين، وتحت ظروف قهرية. وفي بعض الحالات يضطر الطفل للعمل نتيجة النزوح من الريف إلى المدينة، وهو ما يؤدي بهم إلى التسرب من المدارس، لعدم وجود قانون بإلزامية التعليم أو لعدم الالتزام بالقوانين النافذة، بما في ذلك عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور من قبل أرباب العمل، ما يجعل الطفل يعمل بأجر أقل من غيره من الكبار . وأكثر أعمال الأطفال خطورة هي استغلالهم لغرض التسول، عن طريق إحداث إعاقة فيهم لاستدرار عطف الناس. وعلى العموم فإن هناك آثاراً سلبية مترتبة على عمل الأطفال تنجم عنها مخاطر جسيمة منها مخاطر طبيعية لتعرضهم للحرارة الشديدة أو البردوة الشديدة، أو مخاطر صناعية كتعرضهم للمواد السامة، أو مخاطر ميكانيكية في التعامل غير الواعي مع الآلات، بالإضافة إلى حرمانهم من التعليم واللعب. [c1]* خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]