التغيير هو الطريق الوحيد للنهوض من العثار ومعالجة مشكلة التخلف والعجز والضعف والذل والاستكانة، والخروج من دوامة العنف والفتن بفعالية وتأثير فلماذا لا نبدأ بدراسة مشكلة الانفصال الذي يعيشه الإنسان العربي المسلم بين سلوكه وعقيدته؟ لماذا لا نقدم شعار ( الرأي قبل شجاعة الشجعان) قبل شعار ( السيف أصدق أنباء من الكتب) ؟ إن تغيير الواقع المؤلم يبدأ بتغيير ما بالأنفس أولاً لأننا لا نشعر بمقدار ما يسهم ما في أنفسنا لدوامه واستمراره وأن مشكلتنا ليست من خارج أنفسنا بل من داخلها، فالكثير منا سلبيون ولا يملكون روح المبادرة بل أن غالبية الناس ينتظرون المهدي أو أشراط الساعة وقد رسخ في أذهانهم أن المشكلة ليس لها من دون الله كاشفة ، وأن سعي العالمين ضلال وأن المصيبة التي حلت بالبلاد والعباد تنسب للقضاء والقدر مع العلم بان كل أمور الخير والشر تنسب للقدر وليس المصيبة لوحدها فقط هي التي تنسب للقدر.إن ما يرى من تدابر المجتمع وعجزه عن التعاون في أصعب الظروف واتهام أفراده بعضهم بعضاً بأنواع التهم ، وبحث الكبار فيه عمن يحمل عنهم وزر فشلهم وعدم شعورهم بوخز الضمير حين يتخلفون عن أداء الواجب، والكسل الذي يعم الجميع عن السعي لزيادة المعرفة والإعراض عن الاستفادة من أحداث التاريخ كل هذه أمراض اجتماعية لا تقل خطورة عن الأمراض العضوية التي تصيب أجسام البشر. فهذه الأمراض الاجتماعية ، تصيب عقول الناس فتعطلها وعواطفهم فتبلدها ، ومصدر تلك الأخطار البيئة الملوثة بالأمراض الفكرية المتوطنة ، القديمة منها والطارئة وقد تحدث القرآن الكريم عن مرض القلوب على أساس أنه مرض فكري اجتماعي يصيب الإنسان في علاقته بالمثل الأعلى وبالناس من حوله ما يجعل هذا الإنسان عاجزاً عن القيام بأداء وظيفته الاجتماعية في جسم الأمة.والإنسان الذي يواجه مشكلة ويعتقد بإمكان حلها هو إنسان يؤمن بالتغيير، والتغيير هو انتقال من حالة لا يرضى عنها إلى أخرى خير منها وهذا الانتقال يخضع لقانون يتخذ علاقة بين الهدف والوسيلة. أما من يكره التغيير فهو يعيش في غفلة وجهل وعنجهية وغرور وسذاجة وحماقة .والمراد بتغيير ما بالأنفس هو تغيير الأفكار والمفاهيم والظنون في مجالي الشعور واللاشعور والتغيير في الصحة والاقتصاد والسياسة والنصرة والعزة وسائر صنوف النعم والنقم، فليبدأ الإنسان بتطبيق قول الله تعالى في نفسه» قد أفلح من زكاها وقد خاب من من دساها “ أي أن الإنسان يستطيع أن يزكي نفسه بعمل الصالحات ويقترب من التقوى ويبعد نفسه عن التدسية بالابتعاد عن الفجور. وأن يعيد الصفاء والوضوح للنفس حيث تراكم عليها الصدأ، قال: الله تعالى :«كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون» المطففون / 14) وقال الله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» ( الرعد / 11) ورد في تفسير هذه الآية “ أنها بيان لسنة من سنن الله في الخلق إدراكها مهم لكل إنسان وخاصة لمن يشتغلون في التربية والدعوة والتوجيه والسياسة والاجتماع . فبدون تغيير ما بالأنفس لا يطمع الإنسان بأحسن وبدون تغيير لأنفس الأمة لا تطمع الأمة بأحسن ، كما أن التغيير نحو الأسوأ لا بد أن يرافقه تغيير في الحال ، إلا إذا شاء الله أن يعفو ، فالأنفس التي ألفت الذلة وعانتها إذا لم ترب على المجاهدة لا تطمع بتغيير الحال .. والأنفس التي ألفت الفوضى إذا لم ترب على النظام لا تطمع بتغيير الحال ، والأمة التي ألفت السيادة إذا لم تحتفظ بالحالة النفسية لها عندما حصلت السيادة لن تدوم لها ومن ألف التوفيق مع الله وهو طائع إذا واقع المعصية ولم يقلع عنها فلا يطمع باستمرار التوفيق . إن الله لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية فيزيلها عنهم ويذهبها حتى يغيروا ما بأنفسهم وفي هذا إيماء إلى نفع الطاعة وضرر المعصية فحفظ الملائكة نعمة يغيرها الله إذا تغيرت الأنفس نحو الشر.والآية الأخرى التي في سورة الأنفال التي يقول الله عز وجل فيها «ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» جاء في تفسيرها “ يذكر الله عز وجل سنة من سننه وهو أنه تعالى من تمام عدله وقسطه في حكمه أنه لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب، كصنعه بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته أهلكم بسبب ذنوبهم وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم من جنات ، وعيون ، وزروع ، وكنوز ، ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين، وما ظلمهم الله في ذلك بل كانوا هم الظالمين”.
|
رمضانيات
لكي ينصلح حالنا ونتجاوز أزمتنا لا بد من تغيير ما بأنفسنا
أخبار متعلقة