من الخطأ ربط حياة الأوطان برحيل أو موت الزعيم أو القائد، ومن الخطأ أيضاً التفريط بزعيم قادر على تجنيب الوطن ذلك الطوفان الذي سيؤدي إلى انهياره. وأنا هنا لست من مؤيدي الزعماء الذين يتمسكون بمقولة (أنا ومن بعدي الطوفان) نتيجة الهوس بالسلطة وهم الزعماء الذين يشترطون أن يبقوا في الحكم وإلا عملوا على إدخال الوطن في طوفان يؤدي إلى الجحيم، لكنني في الوقت نفسه مع الزعماء الذين يعون ويفهمون إنهم ضرورة من ضرورات السلامة للوطن، وبهذا المنوال تكون السلطة هي من يتشبث بهم وليس العكس نظراً لحاجة الوطن إليهم وعدم قدرة غيرهم على ملء الفراغ الذي سيخلفه رحيلهم على الأقل في الوقت الراهن. والرئيس علي عبدالله صالح من النوع الثاني الذي تحتاجه السلطة ولا يحتاج إليها، كضرورة ملحة يحتاجها الوطن لحفظ التوازنات وعدم اختلال الموازين، فكلي ثقة أن الرئيس علي عبدالله صالح غير متشبث بالسلطة كضرورة شخصية له، وإنما هو يعي تماماً تركيبة المجتمع اليمني السياسية والجغرافية وحتى القبلية وتعدد مراكز القوى، ويعي أن من الضروري بقاءه في الحكم لحفظ التوازنات وتجنيب الوطن الانزلاق نحو المجهول، وليس تمسكا بالحكم وإنما كمسؤولية وطنية ملقاة على عاتقه وعليه أن يتحملها أمام الله ومن ثم أمام شعبه، حتى لايترك الوطن ككرة قدم يتقاذفها العديد من اللاعبين الذين لايجيدون التسديد وفي هذه الحالة ستكون النتيجة هي الهزيمة والمهزوم هنا لن يكون اللاعبين وإنما هو الوطن والشعب أيضاً. وأنا من هذا النوع الذي يرى أن الرئيس ضرورة لليمن وليس العكس، ولهذا فإنني أدعوه إلى عدم تسليم الحكم حتى يتم إيجاد لاعبين جدد يمتلكون نفس البراعة التي يمتلكها هو من أجل تحقيق الأهداف التي يتطلع إليها الشعب اليمني، لأن هذا ما سيجنب اليمن الطوفان أو القادم المجهول، ولست هنا ممن يدعونه للبقاء في الحكم بدافع حبي له، ولكني أدعوه لأن يتمسك بالحكم كمسؤولية ملقاة على عاتقه وعليه أن يتحملها أمام الله لكي يجنب البلد الفتنة والتمزق، وهذا هو بالضبط ما أقسم عليه أمام الله وأمام الشعب وعليه أن يبر قسمه. فإذا ما نظرنا إلى تركيبة اليمن من الناحية السياسية والجغرافية وتعدد مراكز القوى، خصوصاً ما أظهرته الأزمة الحالية، فبلا شك سيعترينا الخوف على وطننا وشعبنا، فالساحات المدعوة بساحات التغيير اليوم تعج بجميع التناقضات وتعدد مراكز القوى وعصابات الفساد وذوي الإطماع الشخصية وهم جميعاً متفقون - بأقليتهم - على رحيل الرئيس، أما الفترة التي تلي الرحيل كأمنية خاسرة لهم فلا يتفقون عليها، بل إن جميع هؤلاء الطامعين يطمح للإنفراد بالحكم وسحق ماعداه حتى ولو كان يوافقهم بطلب رحيل الرئيس، وهذا التناقض الكبير بينهم.. موجود أو لا يمكن إنكاره، كما أنه ليس خلافاً من قبيل الاختلاف بالرأي، فلو كان الأمر كذلك لاعتبرناه تنوعاً ضرورياً لإثراء الديمقراطية، ولكن خلافهم هو أن كل طرف يعمل على إقصاء الآخر إلى درجة إقامة منابر متعددة في الساحات أثناء خطبة الجمعة، ناهيك عن التعامل الفاشي الذي يلقاه الشباب من قبل حزب الإصلاح ولجانهم الأمنية خصوصاً من غير المنتمين لحزبهم، هذا إذا تجاهلنا الصدامات التي تحدث داخل الساحات بين حين وآخر بين المعتصمين أنفسهم، فهؤلاء الذين ينادون برحيل الرئيس لا يمتلكون رؤية واضحة أو مشروعاً لما بعد رحيل الرئيس فيما لو سلم لهم بالرحيل وتخلى عن مسؤوليته الوطنية. إن مثل هؤلاء لا يمكن الاطمئنان إليهم أو الثقة بأنهم قادرون على إدارة الكفة لوطن يعج بالمتناقضات المتعددة فمن وجهة نظري على الأقل إن من يتصادمون بالساحات قبل استيلائهم على الحكم لا يمكن الركون إليهم، ولهذا على الرئيس أن يتحمل مسؤوليته وأن يجنب الوطن شر بلوى هؤلاء. وحتى لو تجاهلنا التناقضات الموجودة في الساحات وعرجنا على التناقضات الأخرى خارجها على المستوى الوطني وما يحتويه المجتمع اليمني من مراكز قوى متعددة على المستوى الجغرافي السياسي والمناطقي والقبلي، فسيعترينا الذهول من قدرة الرئيس على إدارة الكفة لمدة ثلاث وثلاثين سنة وكيف استطاع أن يجعل من نفسه نقطة التقاء أجمعت عليها كل الأطياف بتنوعاتها المختلفة. إنني أجزم أن اليمن لم تنجب إلى اليوم الرجل الذي يمتلك قدرات الرئيس أو من يتمتع بالكاريزما التي يمتلكها، وحتى لا أبدو كأنني أقلل من خلو اليمن من الكفاءات فاليمن غنية برجالاتها العظماء لكنهم على قدر كفاءاتهم وكثرتهم ليسوا محل إجماع عند اليمنيين لذا فالخطر الآن ليس رحيل الرئيس وإنما الفراغ الذي سيخلفه هذا الرحيل! ولنفترض أنه رحل فمن سيحل محله! ومن الحزب الذي سيحل محل حزب المؤتمر؟ وماهو الحزب الذي يمتلك الأغلبية التي يمتلكها هذا الحزب؟، فلو فرضنا أن المشترك إضافة للحراك الجنوبي والحركة الحوثية والقاعدة يمكن أن تشكل الأغلبية التي يمتلكها حزب الرئيس، فهل بإمكانهم أن يجمعوا على شخص بديل للرئيس؟ اعتقد أن هذا من الاستحالة! فلا الحوثي يمكن أن يحكمه اشتراكي وحتما لن يرضى الحراك الجنوبي بأن يحكمه علي محسن وجناحه من بيت الأحمر وقطعاً لن تسلم القاعدة بأن يحكمها علماني، وليس هذا وحسب بل إن هذه المتناقضات من الشدة بحيث أنها ستوصلنا إلى التصادم، وبالتالي إلى دخول اليمن وسط طوفان لن يسلم منه أحد، ناهيك أن هذا التصادم قد يتطور إلى درجة تفكك البلاد وأنهيارها، فمحافظة صعدة قريبة من الانسلاخ عن الوطن، ومأرب والجوف وشبوة قد تتكون فيها دولة تابعة للقاعدة، ناهيك عن الجنوب الذي لن يقف عند الانفصال ككيان واحد، بل أنه قد يتشظى إلى دويلات صغيرة أولها حضرموت. إذا لابد لليمنيين قبل أن يرحل الرئيس أن يجدوا من الذي سيحل محله وأن يكون محل إجماع اليمنيين حتى يكون قادراً على تجنيب اليمن الانزلاق فالقضية هنا ليست قضية شخص الرئيس وإنما هي قضية وطن، وقطعاً فإن هذا الوطن يستحق منا أن نراجع حساباتنا ونتروى في اتخاذ القرارات ومحاكاة الآخرين، وأن تغلب المصلحة الوطنية على ماعداها، ففي النهاية نحن في مركب واحد ولن ينجو من الغرق أحد، وليس عيباً ياقادة المشترك الاعتراف بالخطأ ومراجعته وتصحيحه، فيا ترى هل تخشون مما نخشى؟ أم أن الشيطان قد أغواكم ومصممون على إدخالنا الجحيم؟.
|
تقارير
الطوفان القادم بعد رحيل الرئيس
أخبار متعلقة