قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها، فقال: إذا أبيتم إلا الجلوس، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” (رواه البخاري).في هذا الحديث الشريف يضع بين أيدينا آداباً عامة يجب أن نراعيها في التعامل مع الطريق العام، فالطريق من المرافق العامة التي لا يحق لأحد تملكه أو استغلاله لمصلحته أو قطعه أو الإضرار به، أو منع الناس من المرور به، أو وضع العوائق التي تحول دون مرورهم بسلام. غير أن هناك بعض الظواهر التي عطلت السير في طرقاتنا، ومنعت من استخدامها على الوجه الذي عملت لأجله.فهناك من يتخذ الطريق مكاناً لعرض بضاعته، فيمنع الناس من المرور فيه، وهناك من يتخذ الرصيف مكاناً لوقوف سيارته أو حافلته، فيمنع المشاة من السير فيهن وهناك من يغلق الطريق ليقيم حفل عرس أو بيت عزاء، فيعيق حركة السير فيه، وهناك من يغلقه بأحجار البناء أو مخلفاته، دون مراعاة لمستخدمي الطريق، وهناك من يوقف سيارته في الطريق السريعة ليصلح إطاراً أو نحوه، فيضع أحجاراً في الطريق للحماية، ولكنه بعد الانتهاء من عملية الإصلاح يترك الأحجار مكانها في وسط الطريق ما يتسبب في حوادث مرورية خطيرة.هذه بعض انتهاكات الطريق التي يمارسها بعض الناس في الظروف العادية، غير أن انتهاكات أخرى يمارسها بعض الناس في ظروف الأزمات، كقيام بعضهم بافتراش الطرقات والساحات العامة، والاعتصام بها، للضغط على السلطات لتلبية بعض المطالب السياسية أو الحقوقية، وقد تطول مدة الاعتصام أو تقصر، ما يضايق الناس ويعطل مصالحهم. وهناك من يقيم المخيمات، ويحتل مساحات شاسعة من الساحات والطرقات العامة، ويرفع الهتافات بأصوات عالية مستعيناً بمكبرات الصوت ليصل صوته إلى أوسع مدى، دون مراعاة لما يسببه ذلك من مضايقات لسكان الحي الذي أقيم فيه المخيم.وبعض الناس في ظروف الاحتجاجات السياسية، وفي حالة التمرد والعصيان يعبر عن ذلك بوقف حركة السير في الطرقات العامة، فيمنع حركة مرور السيارات فيها، بسدها بالأحجار، أو بجذوع الأشجار، أو بقلع أعمدة النور، ووضعها في الطريق العام، أو بإحراق إطارات السيارات، أو نحو ذلك.وفي أوقات الأزمات والاضطرابات السياسية في البلد، هناك من يستغل الاختلالات الأمنية فيقوم بقطع طرقات المسافرين ، والتعرض لهم لغرض سلبهم، ونهب بضائعهم، وابتزاز أموالهم، باتباع وسائل مختلفة من العنف والإرهاب. وهناك من يتعدى على السيارات التي تنقل النفط والغاز ويمنعها من تقديم خدماتها للمواطنين بصورة طبيعية، وبسبب ذلك حصلت مشكلات في تموين تلك السلع، على نحو تأذى منه الناس كثيراً، وحصل اختناق في توزيع المشتقات النفطية، انعكس أثره السلبي على مختلف أنواع السلع الاستهلاكية التي اختفت من الأسواق أو قل توزيعها وبالتالي ارتفعت أسعارها، كل ذلك وغيره يتنافى مع مبادئ الإسلام ويتعارض مع تعاليمه السامية وآداب الطريق التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، وكذا في الحديث الشريف القائل:” من آذى المسلمين في طرقاتهم وجبت عليه لعنتهم” (رواه الطبراني). بما يعني أنه لا يجوز في شريعتنا الإسلامية إيذاء الناس في الطرقات، لما ينجم عن ذلك من أضرار مادية ونفسية.والأصل في المسلم أن يميط الأذى عن الطريق، لا أن يضع بنفسه الأذى ليضايق الناس، ففي الحديث: “إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وفي يده نبل فلا يخدش أحداً” (رواه مسلم).فالطريق ملك عام لجميع أفراد المجتمع، لا يجوز لأحد أو جماعة إلحاق الأذى فيها، أو منع الناس من المرور فيها أو السير فيها لقضاء حاجاتهم اليومية، كما لا يجوز لأحد ـ تحت أي ظرف ـ أن يحفرها، ويضع فيها المطبات لعرقلة السير ، كما لا يجوز تخريبها بوضع الحفر فيها، أو طمس معالمها، أو اقتلاع الحواجز التي تقي المارة من أخطار الطريق، كما لا يجوز كذلك قلب أعمدة النور فيها، أو إطفاء أنوارها، ومضايقة المارة بأي وسيلة من الوسائل، أو إلحاق الأذى بمستخدمي الطريق أياً كان نوع الأذى. والله سبحانه وتعالى يقول:” والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً عظيماً” (الأحزاب، 58).[c1]*أمام وخطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]
|
تقارير
إياكم والجلوس في الطرقات
أخبار متعلقة