د. زينب حزامكان قدراً على حركة الفنان التشكيلي اليمني الحديث منذ بداياتها أوائل هذا القرن أن تدور في فلك الثقافة الأوربية بأشكال مختلفة، قد تصل احياناً إلى حد استلاب الهوية.وإذا كان الجيل الأول من رواد الفن التشكيلي اليمني قد نجح في التوفيق بين الثقافتين اليمنية والأوروبية وحقق نوعاً من الامتزاج والتفاعل بينهما، معتصماً من الذوبان في الثقافة الأوربية بإرثه الثقافي العريق، وبالمد الوطني العام في مناخ حركة التنوير، فإن الأجيال التالية لم تستطيع بلوغ هذه الصيغة الذهنية الموفقة الا في حالات استثنائية، وأصبح الاستقطاب شديداً، سواء نحو الجذور التراثية المغلقة أو نحو الاتجاهات الغربية المنفتحة.[c1]الانتماء إلى أرض الواقع[/c]من أبرز تلك الحالات الاستثنائية الفنان أحمد منصر محسن عوض الحضرمي، من مواليد خورمكسر عدن 4 /4 /1974م، حاصل على دبلوم فنون تشكيلية معهد جميل غانم بعدن سنة 1999م ـ 2000م، دبلوم معهد فني. شارك في دوره في قسم الديكور قناة عدن، وعضو في نقابة الفنانين التشكيليين وخبرة في الدعاية والإعلان، وشارك في عدة معارض محلية جماعية داخلية ومعرض خماسي في مجمع المؤسسة الاقتصادية بالمعلا 2003م.كما شارك في معرض جماعي في صنعاء خاص بالأمم المتحدة ـ السلام العالمي ومعرض ملتقى الفنون الجميلة (دار الحجر) صنعاء 2010م.لقد حقق الفنان التشكيلي اليمني أحمد منصر محسن عوض نجاحات كبيرة وحظي بتشجيع معنوي من قبل أفراد وهيئات مختلفة وأضحى سريعاً واحداً من الأسماء اللامعة في الساحة الفنية اليمنية، وتتابع جماهير المجتمع اليمني أعماله غير التقليدية النابعة من الفكر المبتكر والبسيط، في التصميم بقدرة بصرية تحمل متابعته للأحداث والمشاهد اليومية الملاصقة لمشاعر أهل بلده ومحيطه اليمني والأحداث الدولية.وعندما نتلمس خط سير أحداث رحلته الفنية، ندرك مدى بحثه وتعمقه في العموم والمطلق، فقد كانت لديه قناعات تتجاوز المحصور المحلي وتطوير ذاته الفنية بأن يكون مفهوماً بابتداع أشكال جديدة أوسع تصل إلى أي إنسان في العالم.أما في ما يخص التفكير المرئي للحضرمي من خلال وعيه الفني المسبق بالعملية الإبداعية الذي يوفره وجود المثير المحرك لمشاعره، نجده بحكم توزيع أشكاله وتلخيصها والاقتصار على أبجديات اللغة التشكيلية في محاولة جادة للارتقاء بكم التحصيل الجمالي لمجال الرؤية الفنية، فهو لا يتقيد بالظل والنور أو التجسيد بل يربط عمله ككل فتصبح اللوحة نسيجاً متحداً من الحلول الفنية، تظهر علاقة الأجزاء التي تم تلوينها ببعضها، كما تظهر توافق الألوان المختارة وحساب كمياتها الحسية والتعبيرية.منذ انطلاقة الفنان الحضرمي التشكيلية وهو يسير نحو الاتجاه التجريدي مثار إعجابه وتقديره على وجه التحديد الذي من المؤكد أنه عرفه في المتاحف اليمنية والعربية التي زارها والمعلومات الفنية التي اطلع عليها عبر الصحف والمجلات الفنية ودراسات الفن التشكيلي المعاصر.وفي هذا السياق، نجد من أعمال الفنان التشكيلي اليمني الحضرمي ما يجعلنا نذكر أن الفن الإسلامي لجأ إلى استخدام صيغ هندسية تجريدية للتعبير عن رؤيته للعالم والإنسان وقد التزم الفن الإسلامي بمبادئ اصطلاحية تنظم العلاقة القائمة بين الأشياء وتعيد صياغتها داخل المساحة التشكيلية إنطلاقاً من مفاهيم جمالية خاصة، لم يكن أهمها تمثيل العالم المرئي، بل تفسيره والتعبير عنه بأشكال مجردة، فهل هناك علاقة أو اعتبار لذلك عند الفنان التشكيلي الحضرمي على الرغم من أنه لا ينكر أهمية التراث.يقول الفنان التشكيلي الحضرمي: (التراث لغتنا الخالدة التي نعتز بها والاهتمام بالتراث هو التعطيش لمعرفة الماضي مهما كانت إمكاناته، إنني أحاول الإطلاع دائماً على التراث والاهتمام به).وإن كان للون في التصوير الحديث دور فاعل فإنه التجريد له أهمية قصوى ومباشرة للفنان الحديث أكثر من الفنان التقليدي فاستعمال اللون أكثر جمالاً وفناً نجده بشكل واضح في أعمال موندريال وكاندينسك وبول كلي وماتيس وغيرهم.وعند الحضرمي كان اللون أكثر عرضاً في معرضه الأخير، ينتقل من الألوان الساخنة الأحمر والبرتقالي والبني، إلى الألوان الباردة الأزرق والأخضر، ليعطي مساحاته وأشكاله حركة نحو الداخل، وأوجد إيهاماً بالمسافة في الفضاء بتحكمه في قوة اللون، وأن انسجمت درجات أدائه اللونية كانت عامل إحساس بالحركة، أما إن تضاربت فهي تحمل للمتلقي تأثيراً رمزياً ما أو تعبيراً مقصوداً بعينه.لقد سجلت لوحة الفنان الحضرمي التجريدية الأخيرة نضجاً وانفلاتاً معلناً اختمار تجربته التشكيلية.وآخر ما تطلعنا عليه هذه الجولة الرائعة في لوحات الفنان هذا العمل الذي يمثل شكلاً فنياً، وهو عبارة عن تصميم من قطع صغيرة من الحجارة للوحة (قلعة صيرة) حيث الألوان من الدرجات الساخنة والباردة المختلفة كما يتكون من مستويات بارزة تتمثل في الدائري أعلى العمل وكذلك في المستطيل أسفل العمل، الذي يتحدد بوضوح كي يعبر عن جملة تشكيلية، داخل تصميم العمل وتتبادل الألوان والدرجات في حوارهما بتوافق وتضاد ويعبر هذا العمل عن رؤية لإيقاع بين القيمة والحركة التي يمثلها اللون الساخن حول الدائرة العليا، وبين قيمة السكون في درجات الأزرق والأخضر .. وكيف توافق هذا الإيقاع، بينما تتحدد العلاقات اللونية داخل المستطيل السفلي الذي تحتويه قيمة التوافق.
|
رياضة
التشكيلي أحمد منصر محسن.. فنان الفطرة الشعبية.. والرؤى الكونية
أخبار متعلقة