أضواء
يا بنت مالك إلا أن تسمعي كلام أبوكِ ، هو أدرى بمصلحتك ، ومن هذه القناعة ظهر شعار الحملة النسائية « وليّ أمري أدرى بأمري» نصيحة تقليدية فارغة من كل مضمون أنساني ، وتفوح برائحة العجز المذل للكرامة ، وتجعل من الجشع والجهل وصياً على حياة ومصير إنسانة ليس لها ذنب في هذه الحياة سوى انها خلقت أنثى ، وقبل ان أرمى بقبيح القول من قبل الفحول الهادرة برغي لايشبه أصوات الرجال ، بل هو اقرب لتزمت الجاهلية ، ونخوة تستمد جذورها من حرب داحس والغبراء ، هؤلاء الفحول يرون ان الفتاة متاع وعيب ، خلقت للمتعة والتربح المشين بعرضها وإنسانيتها . أقول إنه ليس كل الآباء على خط واحد في التعامل مع بناتهم ، فهناك آباء بقمة الروعة والعطاء ، ولعل بعض قصص المبتعثات تنبئ عن أخبار هؤلاء الآباء الرائعين الذين استجابوا بحنان وحرص لرغبات بناتهم للتعليم في الخارج ، وجعلوا من حياتهم طريقا ممهدا لطموح بناتهم ،لإيمانهم بحقهن في التفكير والاختيار لحمايتهن من ضعف بعض تقاليد المجتمع وقيمه المهلكة لكل نفس آمنت بتلك القيم وقدسيتها . الأب الذي يعطل اختيار ابنته للزوج الذي اطمأنت للحياة معه بعذر ان هناك معرفة مسبقة بينهما ، ليجعل من رفضه عقوبة صارمة تضرب قلب المتراضين بالمشاركة في الحياة بمقتل ، ليكتب بيده مأساة ابنته وقصة ضياعها وحرمانها من ان تكون أماً تقيم لها وجودا بعد أن يختفي وجودها من هذه الدنيا ، أب أعمته وحشيته عن آدميته فتعامل مع اختيار ابنته بقلب وحش كاسر مهمته في الحياة الانتصار على فريسته وسفك دمائها وخنق روحها ، وكل ما سوى ذاته يعد في حساباته فريسة حتى لو كانت ابنته . إن المعرفة المسبقة لا تعني بالضرورة إقامة علاقة محرمة او ملامسة المحظور في حقيقة الشرف ، لان العلاقات المحرمة لايسعى أطرافها لإظهارها للعلن ولكنها دائما ما تحتمي بالاختفاء ، والابتعاد عن عيون الأهل ومراقبتهم ، عكس المعرفة التي تسمح بالتقارب الوجداني وتطلب مباركة الأهل لها ، ومع هذا نعترف بأننا مجتمع ذكوري يجيز للشاب الحب وحرية اختيار الزوجة ونظم الشعر في المعشوقة ، ويعد هذا لدينا من ارتفاع مستوى الذائقة ، وسمو الشعور الذي يميزنا عن المخلوقات الأخرى ، وللأسف ان بعضنا يرى بناتنا بأنهن من فصيلة المخلوقات التي لاتشبه إنسانيتنا ، بل أن الفتاة لدينا ان أحبت بصدق وشرف تنزل مرتبتها ظلما إلى مستويات المخلوقات الدنيا ، إن الطبيبة التي اختارت الإنسان الذي تريد أن يشاركها حياتها واصطدمت برفض والدها هي ليست امرأة عار وعيب ، ولكنها إنسانة واعية ومتعلمة وحرة تدافع بكل نبل عن اختيارها لتبني حياة سعيدة قائمة على الرضا بالنصيب واستجابة لنداء القلب الذي دائما ما يكون نداءً روحيا لا تستطيع أشد القلوب قسوة منع الاستجابة لندائه .. إن إقرارنا لحرية اختيار الفتاة لشريك حياتها هو إقرار بانسانيتها واحترام لتربيتها قبل شعورها ، كما أن ذلك يعد الطريق الصحيح للحد من حالات الطلاق المرعبة من تكاثرها ، ويكفي أننا مع حرية الاختيار هذه نطمئن على سلامة مشاعرنا من المرض ، ولعلها مناسبة جيدة أن نقدم دعوة للمؤمنات بحرية اختيارهن لشريك حياتهن بعمل حملة تحت شعار ( أريد أن أختار زوجي) بدلًا من الحملة الغبية (خلوه يلبس) والتي نسيت الفتاة بها صاحب الملابس وانبح صوتها وتعب جهدها في البحث عن الملابس .*عن /صحيفة ( الرياض ) السعودية