نبض القلم
إن دور خطيب الجمعة مهم وخطير في جميع المراحل، ويزداد دوره أهمية في المرحلة الراهنة التي تشهد فيها بلادنا أزمة سياسية، تكاد تؤدي إلى فتنة، تأكل الأخضر واليابس، ما لم يتضافر أبناء الوطن جميعهم في حلها، والتخفيف من أعبائها، والتقليل من مخاطرها، والحد من تفاقمها، ومما لاشك فيه أن جماهير المصلين حين يأتون إلى المسجد لصلاة الجمعة وسماع الخطبتين، وتكتظ بهم ساحاته، إنما يأتون بقلوب خاشعة ونفوس طاهرة، وتتهيأ قلوبهم لتلقي الوعظ والإرشاد. والخطيب عندما يعتلي المنبر في يوم الجمعة ويخطب في الناس، عليه أن يعرف أنه لا يخاطب جماعة بعينها، ولا فئة محددة من فئات المجتمع، وإنما يخاطب الناس على اختلاف فئاتهم، وتعدد انتماءاتهم، وتنوع ثقافاتهم، وتفاوت أوضاعهم الاجتماعية، فمنهم العامل البسيط، والطالب، والتاجر، والموظف والفلاح، والمثقف الواعي، والعالم المستنير، والفقيه المتضلع، والداعية المتحمس، والسياسي المنفتح أو المنغلق، ويوجد بين هؤلاء المسلم الضعيف الذي لايزال يبحث عما يقنعه لترسيخ إيمانه، وتعميق الإسلام في نفسه، فعلى الخطيب المتصدي لهذا الموقف الجليل أن يفهم دوره ويقدر الظروف التي يعمل فيها ويخاطب الناس بما يرضي الله فيهم، ويراعي في الوقت نفسه تباين مشاربهم، وتغاير مراكزهم، وتفاوت مفاهيمهم، وهذا يتطلب أن يكون الخطيب حصيفاً ذكياً يقظاً حازماً مع المرونة والوعي بما يحيط به من أحداث وتطورات متسارعة. وبصرف النظر عما إذا كان الخطيب موالياً للسلطة أو معارضاً لها، وسواء كان متحزباً أو مستقلاً، مؤيداً لهذا الطرف أو معارضاً لذاك، فإن دوره في الأزمة الراهنة يتمثل في قيامه بجملة من المهام التي تستوجبها وظيفته الدينية، والتي يتجسد فيها روح الإسلام، بما يتطلب تعزيز روح المحبة والتسامح والإخاء بين الناس، وتعميق مبادئ الإسلام السامية المتمثلة في التعاون والرحمة، والمساواة في الحقوق والواجبات، ورفض التطرف والغلو والتزمت والعصبية، ونبذ ثقافة الكراهية والبغضاء، والتأكيد على أن الإسلام دين الوحدة، يدعو إلى التعاون على البر والتقوى، لا التعاون على الإثم والعدوان، وهذا من شأنه أن يضع الخطيب أمام عدة مهام يستوجبها دوره الهام والخطير والمتمثل في الآتي: رفع همم المصلين وتوجيههم نحو عمل الخير، وحثهم على التمسك بالأخلاق الحميدة، بصورة محببة إلى النفس دون تيئيس، أو تصوير الحياة بمنظار أسود متشائم، مع ضرورة التحذير من الممارسات السلوكية الخاطئة، بإتباع أساليب الترغيب والترهيب، بعيداً عن التجريح والإثارة، وتحاشي الألفاظ النابية والعبارات الجارحة للحياء. حث الناس على بذل الجهود الخيرة لتطوير مجتمعاتهم ومطالبتهم ببذل أقصى الطاقات لتحسين أوضاعهم، وتغيير حياتهم نحو الأفضل، باعتبار ذلك وسيلة هامة لنهوض المجتمع في مجالات التنمية المختلفة. تلازم العمل الدنيوي مع العمل الأخروي، وعدم انحصاره على جانب دون الآخر، إذ لا بد أن تكون أعمال الإنسان مستمرة ومتواصلة، لتعطي ثمارها، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: ( خير العمل أدومه وإن قل )، فإذا ما استمرت الأعمال، وتواصلت حركة الإنسان فإن ذلك يؤدي إلى زيادة التنمية في المجتمع، فمهما كانت شدة الأزمة وحدتها، فإن العمل يجب أن يستمر ولايتوقف.التأكيد على القيام بالأعمال الصالحة على اختلاف أشكالها وألوانها، والعمل على دعم الجهود الخيرة، ورعاية المشروعات المثمرة التي قامت بها الدولة، في المراحل المختلفة، والتأكيد على أهمية التعاون في تنفيذ المشروعات الإنتاجية والخدماتية، ودعم عملية التنمية على اختلاف أنواعها. حث الناس على طلب العلم، وبيان أثر العلم في حياة الأفراد والمجتمعات، وأهمية انتظام الدراسة في المؤسسات التعليمية المختلفة، والحيلولة دون إيقافها أو تعثرها تحت أي ظرف، لأن الإنسان هو محور التنمية، ولابد من تطوير قدراته وتحسين مهاراته، وهو ما يستوجب العناية بالتعليم وتحسين مخرجاته، إذ من الخطأ أن تكون الأزمة السياسية الحالية سبباً من أسباب إغلاق المدارس وتعطيل التعليم. محاربة الأفكار والنزعات المجافية لتعاليم الإسلام السمحة، كالغلو والتطرف والحقد والكراهية، والعمل على الانتصار للوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي. شرح المعاني المتصلة بمبدأ ( الدين المعاملة ) سواء على صعيد العلاقة بين الأفراد، أو على صعيد العلاقة بين أبناء الوطن الواحد والعقيدة الواحدة. التأكيد على تحريم مد اليد إلى المال العام والممتلكات العامة بالأخذ منه أو إتلافه أو تعطيله أو إحراقه باعتباره حق الجميع، وهو ما يستوجب حث الناس على التصدي للعناصر التي تعمد إلى إغلاق الطرقات وتخريب المنشآت والمؤسسات العامة والخاصة، تحت أي ظرف، ومهما كانت المبررات. حث الناس على إصلاح ما تتلفه الاضطرابات وفوضى المظاهرات من المرافق العامة، والعمل على حراسة المنشآت والمرافق العامة، للحيلولة دون تعرضها للتخريب أو السرقة، والدعوة لمحاسبة المتسببين بذلك. التوعية بأضرار الاحتكار على الفرد والمجتمع، والتأكيد على طلب الرزق والسعي لتحصيل المال من وجوهه المشروعة أمر محمود في الإسلام. الشرح المستفيض للأضرار الجسيمة التي تخلفها الأعمال الإرهابية، والاعتداء على الأرواح البريئة، والنظر إليها باعتبارها جرائم ضد الدين والشعب والوطن، والاقتصاد والتنمية والاستقرار. التحذير من خطر الفتن، والحث على محاربة مثيري الفتن، ومكافحة مثيري الشغب والفوضى، وعدم السماح بانتشاره لما يسببه من أضرار اقتصادية واجتماعية. [c1] خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان [/c]