أزمة الديون في العالم الثالث ومسبباتها
د. زيد بن محمد الرماني عولمة الديون في العالم الثالث سياسة لجأت إليها عدد من الدول كوسيلة للاقتراض من الخارج منذ زمن بعيد، وسجلت بعض الدول نجاحات بارزة في الاستفادة من القروض، و لكن الدول ذات الدخل الضعيف تعرضت لتفاقم مشكلة الديون حتى بلغ الأمر لدى بعضها حد وقف مسار النمو و تدهور مستوى المعيشة فيها. في الثمانينيات تعرضت ديون العالم الثالث لأزمة حادة ، لكنها لم تكن الأولى في تاريخ الديون بسبب الاقتراض الدولي فقد بدأت تظهر منذ وجدت الديون الدولية. ومن أبرز الأزمات الحادة كانت أزمة الثلاثينيات من القرن الماضي التي شكلت أزمة الاقتراض في البلدان وتزايد ذلك في الثمانينيات وشكلت أهم الصعوبات الاقتصادية في تلك البلدان وخطرا ًعلى قدرة النظام المالي على الاستمرار. في الواقع إن ظهور أزمة الديون في العالم الثالث في السنوات الأخيرة، لم تكن حقًّا ظاهرة جديدة كُليا، وفي هذا الصدد تبين دراسة تاريخ أزمات الاقتراض الدولي - وكان القرن التاسع عشر مدخلاً مفيداً لأزمة الديون - أن عوارض أزمة الاقتراض ظهرت منذ وجدت الديون الدولية، حتى إن الطابع العام للأزمة ليس جديدا حقًّا.[c1]أسباب أزمة الديون[/c]يقول جان برتيليمي في كتابه “ديون العالم الثالث”: إن موقف المصارف حيال البلدان المدينة من العالم الثالث لا يمكن اعتباره سببا لأزمة الديون؛ فهو بكل حال سبب ونتيجة في آن معا، لذلك فإنه من الصعب إثبات أن الأزمة قد نجمت من سياسة اقتراض مفرطة من جانب بلدان العالم الثالث. وللأسف، فإنه لا يتوافر إلا القليل من الإحصاءات الموثوقة حول ديون بلدان العالم الثالث، وكان هذا النقص ذاته أحد أسباب أزمة الديون.والحقيقة، فإن هناك عدة أسباب كانت وما تزال تدفع دول العالم الثالث إلى الاستدانة، ومنها السياسة الإنمائية المتبعة في العالم الثالث، وسوء توزيع الدخول، واتباع أنماط استهلاكية تحاكي أنماط الاستهلاك في الدول الصناعية، والتمدين العشوائي، وتدني الإنتاج الزراعي، وتضخم الإنتاج الصناعي.ويقول د. علي وهيب في كتابه “خصائص الفقر والأزمات الاقتصادية في العالم الثالث”: إن الواقع الملموس في اقتصاديات بعض الدول المدينة هو أن أسباب تضخم الديون إنما تعود إلى عدة عوامل منها الارتفاع الجنوني في أسعار الفائدة في الأسواق الدولية، حمى المضاربات والفوضى التي تسود نظام النقد الدولي، الارتفاع الهائل في أسعار صادرات الدول الصناعية التي تستوردها الدول المدينة، الكساد الاقتصادي العالمي وآثاره السلبية على قيمة صادرات الدول المدينة، الحماية التجارية التي تفرضها الدول الصناعية على السلع المصدرة إليها.[c1]أزمة الديون المكسيكية[/c]إن معدلات الفوائد المرتفعة على الديون الخارجية وازدياد مبالغ الديون لدى معظم دول العالم الثالث أدت إلى إبطاء في نموها الاقتصادي، وتدنت عائدات صادراتها بالعملة الأجنبية. ومن المعروف في السياسة الاقتصادية الدولية أن أزمة الديون المكسيكية في منتصف عام 1982م كانت علامة مهمة في سياسات الاقتراض للدول المدينة، فانخفضت نسبة تقديم القروض الجديدة بصورة فجائية. ولم يعد صندوق النقد الدولي قادراً على تقديم أي قروض جديدة، بسبب اضطراره للاحتفاظ بسيولة للإقراض.إلى جانب ذلك إن أي مقترحات لحل أزمة الديون التي تعاني منها بعض الدول المدينة في العالم الثالث تأتي من جراء عدم قدرتها على دفع الأقساط وسداد الفوائد المتوجبة عليها، ولذا ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار خفض العجز في ميزانيتها، وتخفيض أسعار الفائدة على الدولار.وبالنسبة لإعادة جدولة الديون ودور المؤسسات المالية التابعة للأمم المتحدة، فينبغي على حكومات الدول الدائنة أن تعيد تقويم شروط التزامات إعادة هيكلة الديون وجدولتها. وإعادة الجدولة يتطلب من الدولة المدينة أن تخضع لشرطين أساسيين يفرضهما المجتمعون في نادي باريس ، أن تدفع الدولة المدينة فوائد التأخير على الأقساط المؤجلة، كعقاب لها، وأن تتعهد الدولة المدينة بتنفيذ سياسات وتوجهات اقتصادية واجتماعية معينة ذات علاقة بالتجارة الخارجية، والإنفاق العام.[c1] اتباع سياسة الرقابة على الصرف[/c]ولهذا قال أحد الاقتصاديين: إن وسيلة إعادة جدولة الديون ما هي إلا فخ من قبل الحكومات والمؤسسات المالية الخاصة في الدول الصناعية الدائنة؛ لإيقاع المقترضين في حبائل الديون، وزيادة تراكمها سنة بعد أخرى. ولا شك في أن الدولة التي تطلب إعادة جدولة ديونها الخارجية، هي في وضع اقتصادي مأساوي، وفي أزمة اقتصادية حادة، و مما يزيد الأمر تعقيدا مطالب واشتراطات صندوق النقد الدولي؛ حيث يطالب الدول المدينة بتخفيض القيمة الخارجية للعملة الوطنية؛ أي: هبوط سعر صرفها الرسمي، وعدم إتباع سياسة الرقابة على الصرف، والسماح بالتعامل في النقد الأجنبي، وإلغاء أي قيود تتعلق بسياسة الاستيراد، وإلغاء الإجراءات المتعلقة بتشجيع الصادرات، والسماح للقطاعين الخاص والعام بالاستيراد، وخضوع الدولة المدينة لنمط التجارة الحرة، تحت حجة ضرورة الانفتاح والمنافسة الأجنبية.و يمكن القول في سياق ذلك أن أزمة الاقتراض في السنوات الأخيرة كانت أحد المؤشرات المناسبة لظهور العديد من التجديدات في تحليل الآليات التي تربط بين النمو والاقتراض، ومفهوم السياسة الاقتصادية في البلدان النامية في إدارة المصارف لسندات ديونها وعلاقاتها مع البلدان المدينة.وبالتأكيد أن هذه التجديدات ستساعد في الحصول على نتائج جيدة، لحل أزمة ديون العالم الثالث، ولكن على المدى الطويل وليس القريب. وبهذه النظرة تظهر أزمة الديون في الثمانينيات؛ تماثلاً مع أزمة الثلاثينيات التي كانت كذلك أزمة عامة، ودامت نتائجها على فعل النظام المالي الدولي طويلاً.وبالأخير استطيع القول إنه يمكن للتنسيق الأوثق بين جميع الأطراف المشتركة في القضية؛ دولاً، أو مؤسسات، أو أفرادا، أن يفسح الأمل لمخرج أكثر ملاءمة مما آلت إليه أزمات الديون.