لعل جوهر المشكلة في موضوع الإصلاح الذي أصبح يتصدر اهتمامات الخطاب الإعلامي وأجندة الحراك الشعبي في كثير من الدول العربية هذه الأيام، هو أن التعامل مع هذه المشكلة، ومنذ عدة عقود مضت، جرى وفق معطيات غير صحيحة، فكان تعاملا جزئياً وسطحياً إلى حد كبير، ما أدى إلى تهميش المسألة الإصلاحية بشكل كامل تقريباً. لقد تجاهلت الدول العربية مطالب مواطنيها، لاسيما في مسألة الحريات العامة وحقوق الإنسان، لم تراع متغيرات الواقع الاقتصادي والاجتماعي في العالم من حولها، بل بالأحرى لم تضع إستراتيجية واضحة، خاصة في ما يتعلق بموضوع اتساع الفوارق الاجتماعية، والتفاوتات الطبقية في المجتمع، أي الفجوة التي ازدادت اتساعاً بين الأغنياء والفقراء، والبطالة التي سجلت معدلات عالية، علاوة على الآثار السلبية للخصخصة في كثير من الدول العربية، إذ تم تنفيذ هذه السياسة على نحو أفاد أقلية من الناس وأثراها دون غيرها، ما عمق الفوارق وفاقم مشكلة البطالة في المجوإلى ذلك فإن الكثير من السياسات التنموية في البلاد العربية فشلت في إيجاد برامج تنموية صحيحة، ذات أثر إيجابي في تحسين حالة المواطن العربي ومستواه المعيشي، الأمر الذي أوجد نوعاً من «الإعاقة التنموية»، خاصة مع عدم القدرة على الاستفادة من الكفاءات والعقول العربية وتوظيفها للنهوض بالواقع العربي.. لذلك كانت الكلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية للمنطقة وشعوبها كبيرة، وكان الانفجاران، التونسي والمصري، بحجم المعاناة التي يكابدها الناس هناك.وربما لذلك السبب أخذت الكثير من النخب في البلاد العربية تضع مسألة المشاركة السياسية في صدارة التصورات الرامية لمعالجة اختلالات الواقع العربي، ولجعل المواطن العربي شريكاً في صناعة القرار، وعلى نحو يرسخ الثقة بين أطراف العقد الاجتماعي، ويقلل الفوارق الطبقية في المجتمع. ولعل المجتمعات العربية اليوم بحاجة إلى التغيير، لكن ثمة مشكلات كثيرة ترجع بالأساس إلى سوء الإدارة، وإلى وجود عيوب في السياسات العامة يتعين إصلاحها. لذلك تبدو هذه المجتمعات حالياً بحاجة إلى أفكار جديدة لإيجاد مخارج وحلول عملية لأزماتها المركبة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإلى نخب تتعامل بموضوعية وإخلاص مع هذه الأزمات ومع سائر الأمراض التي تنهك الكيانات المحلية، وتتحدث بدقة وشفافية عن قضايا مجتمعاتها، وتسعى لاكتساب وعي جديد في معالجة المشكلات.وفي هذا الخصوص لابد من استحداث توجهات إيجابية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وينبغي على النخب العربية أن تكون أكثر وضوحاً، لاسيما في مسألة الإصلاح الذي تطمح إليه، وأن تفكر بعقلانية حول كيفية الخروج من مشكلات وأزمات مجتمعاتها بأقل الخسائر الممكنة، وأن تبحث بجدية عن الكفاءات الوطنية العربية الصادقة والناقدة للأوضاع الراهنة، وأن تضعها في أماكن تتناسب مع مقدراتها، وأن تفسح لها المجال بالشكل الكافي والمناسب. فكل الدول التي بلغت شأواً في التطور، إنما حققت ذلك بعد أن جعلت الإنسان فيها شريكاً في صناعة القرار السياسي والاقتصادي، ومحوراً جوهرياً للتطور والنهوض.لابد أن يؤمن المواطن العربي بأهمية الإصلاح حتى يتم من خلاله الوصول إلى إستراتيجية واضحة في إنعاش الطاقات وشحذ الهمم، عبر مزيد من العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية، ومن خلال التأكيد الواضح على حقوق الإنسان وكرامته.وفي هذا الخصوص ربما كانت النخب العربية مطالبة بالابتعاد عن الإغراق في التنظير المجرد، كي يتسنى لها أن تنخرط دون تأخير كبير في تطبيق أفكار الإصلاح، وأن تنطلق في اعتماد إستراتيجية جديدة تستند إلى أمرين أساسيين: سياسات واضحة في مراميها وأهدافها، ودعم مجتمعي ينبع من وعي الناس بالواقع وبأهمية الإصلاح.عن/ جريدة (الاتحاد) الإماراتيةتمع العربي.
النخب.. والإصلاح
أخبار متعلقة