الحجاج والإرث الثقافي المشترك بين العرب وأوروبا
كتب/منير العبيدي : في أول نشاط له لهذا العام 2011 قدم منتدى بغداد للثقافة والفنون في برلين ندوة فكرية للدكتور عبدالحليم الحجاج تحت عنوان (الإرث الثقافي المشترك، العرب ـ أوروبا)، أشار فيها إلى أن (البحر المتوسط بحيرة كانت عبر التاريخ ولا تزال مركزا تتجاذبه الأطراف الدولية بل هو مركز العالم تجاذبت أطراف تلك البحيرة سياسيا وثقافيا وحضاريا، وشكل العراق جناحها الشرقي ومنه نبعت إشعاعاتها الثقافية وجابت العالم).وأشار الدكتور الحجاج إلى أن علماء وكتاباً وأدباء من أوروبا تقاطروا أثناء مختلف الحقب على بابل وآشور ثم بغداد فيما بعد، ويشير مثلا إلى أن فيثاغورس عالم الرياضيات الشهير أمضى خمس سنوات في بابل تعلم فيها الرياضيات والموسيقى والتنجيم، وعندما استقر في جنوب ايطاليا وأسس مدرسته الشهيرة، ألزم أتباعه بلبس زي معين، هو زي أهل العلم في بابل.وأورد المحاضر مثال أحدث ترجمةٍ لإلياذة هوميروس قام بها الكاتب النمساوي راؤل شروت والتي أورد فيها أن هوميروس لم يقضِ حياته في جزر اليونان الأيونية، بل عاش في قلقيلية، التي تقع في الوقت الحاضر في الخاصرة السورية. وكانت تلك المنطقة جزءا من الإمبراطورية الأشورية، حيث تمازجت شعوب وأساطير، وكتابات ثقافية قديمة وجديدة. هناك نسج هوميروس إلياذته مستقيا إياها من ملاحم وقصص محفورة في ألواح طين الشرق القديم. وشكلت المعارك بين جيش الملك الأشوري سنحاريب وثوار من قلقيلية الخلفية التاريخية لحرب طروادة.وحتى بعد أن فقدت بابل السيادة السياسية، كما أورد المحاضر، فإن أهل العراق لم يتوقفوا عن العلم، بل استمرت مدارس ومراكز الثقافة في وادي الرافدين، الواحدة توصل علمها وثقافتها إلى اللاحقة لها. ويرى إنه بالرغم من أن الفترة بين بابل وبغداد هي أكثر من ألف عام، إلا أن مدارس ومراكز الثقافة كانت دائما متواصلة، فيورد أسماء العشرات منها مبتدئاً بمدرسة إنطاكيا التي نشطت في الفترة من 300 ق. م، إلى ما بعد الفتح الإسلامي، وصولا إلى مدرسة جند نيسابور في العهد العباسي، مرورا بمدارس عديدة منها مدرسة الإسكندرية بين 331 ق. م حتى القرن الرابع الميلادي، مدرسة قطيسفون (المدائن) القرن الثاني الميلادي، مدرسة نصيبين الأولى 363 - 278 ق م. ثم مدارس الرها ونصيبين والحضر والحيرة ودير قنسرين وغيرها. ويشير إلى إنه في يومها تجاذبت بحيرةَ المتوسط أربع قوى، الأندلس وبغداد مركزا ثقافة وحضارة ومركزان آخران هما بيزنطة وروما أو بالأحرى أخن عاصمة شارلمان، كما يسمية الفرنسيون أو كارل الكبير كما يسميه الألمان. وتبادل خلفاء الأندلس وبغداد مع ملوك أوروبا رسائل وسفارات وهدايا وانتقل باحثو العلم إلى الأندلس وبغداد.ويورد المحاضر بحثا للفيلسوف ارنست بلوخ قدمه لاحتفال الذكرى الألفية لابن سينا في بداية الخمسينيات من القرن المنصرم صدر بعدها في كتاب (ابن سينا واليسار الارسطوطاليسي)، يذكر فيه أن شراح مفهوم أرسطو للمادة قد انقسموا إلى جناحين، (يساري) و(يميني). أعطى الجناح اليساري، ممثلا بالفلسفة الارسطوطاليسية العربية في العصر الوسيط وببرونو جوردانو، الأولوية للمادة أو المحتوى قبل الشكل ـ وبشكل خاص خلق المادة (العالم). في حين أكد الجناح الأرسطي اليميني دوما إعطاء الأولوية للشكل والروح مقابل المادة (العالم) الذي ما كان إلا مجرد شيء (سلبي).وواصل المحاضر “أما ما كان بين الأندلس وأوروبا فيكفي الإشارة إلى ابن رشد وكتاباته الفلسفية وتأثيراتها في الفلسفة الأوروبية إلى اليوم، وما كتبه موسى ابن ميمون وتأثيراته في اللاهوت اليهودي واللغة العبرية. في حوار أجرته مجلة الفلسفة الفرنسية (العدد 4 /10ـ11/ 2006) مع الفيلسوف الفرنسي دي ليبيرا ي، يؤكد ما يلي: (قرأ اللاتين ابن رشد وتعلموا التفلسف. فالمفكر الأندلسي المسلم إذاً هو الذي جسد، مع أرسطو، العقلانية الفلسفية في الغرب المسيحي خلال أربعة قرون. وأدخلت فلسفة ابن رشد مع الكتاب والمؤلفين في برنامج البكالوريا (الفرنسية). فما أسميته عام 1989 بـ (الإرث المنسي) أصبح موضوعاً لإعادة اكتشاف جماعي سريع. وتم الاعتراف بالتراث الفلسفي واللاهوتي الإسلامي في يومنا الحاضر على أنه ميراث الإنسانية وذلك من قبل عدد كبير من الفلاسفة ومن معظم المؤرخين. لقد أُعيد دمج الفلسفة العربية في تاريخ الفلسفة العامة، و(الكلام) في الأساسيات الدينية). وفي نهاية حديثة أشار الدكتور الحجاج إلى أن الشاعر الألماني يوهان فولفغانغ غوته، شاعر ألمانيا الكبير، كان يستعذب الشعر العربي وقد تأثر به كثيراً.والدكتور عبدالحليم الحجاج حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة براونشفايك في ألمانيا، عضو المجمع العلمي العراقي وشغل مركز أمينه العام بين عامي 2003 ـ 2005.وكانت مجموعة من الأكاديميين وأساتذة الجامعة والمثقفين العراقيين قد حصلت العام الماضي على ترخيص من الجهات الألمانية المختصة بتأسيس منتدى ثقافي تحت اسم منتدى بغداد للثقافة والفنون في برلين دشن أول نشاطاته في العام الماضي باستضافة الشاعر سعدي يوسف. ومحاضرة الدكتور الحجاج تمثل ثاني نشاط ثقافي للمنتدى فيما يتواصل العمل لوضع برنامج لنشاطات ثقافية وإبداعية وفنية تغطي العام الحالي.